في هذا البيت الغريب 🏠⚡، العشق مش مجرد إحساس هادي ولطيف 💞، لأ.. دا معركة حقيقية بين قلوب مشاعلها نار 🔥، وعقول دايمًا بتفكر ترد وتنتقم 😏.
 
هنا.. كلمة "بحبك" ممكن تتحول في ثانية لـ "طلقني" 💔، وضحكة صغيرة تتحول لعركة كبيرة يطير فيها النعل يمين وشمال 👡💨.
 وسط الفوضى، الغيرة، والرغبة في السيطرة.. تكتشف العيلة دي إن الحب ساعات مش بيهزم بالعقل، ولا حتى بالقلب، لكن بالردح، والضحك، وأحيانًا بالصمت اللي يوجع أكتر من أي كلمة 🎭🤣. 
 
 
 
 
 ضوضاء كبيرة وكارثة موجودة بتلك الغرفة الكبيرة نسبيًا، دلفت غزل بعدما طرقت الباب عِدة طرقات خفيفة ولم تجد جواب بالنهاية، تصنمت محلها عندما رأت مظهر الغرفة المُنقلب رأسًا على عقب، وعلى الفراش الموجود بمنتصف الغرفة، تقبع تلك الفتاة التي تحمل من ملامحها الكثير.
 اشتعلت من مظهر الغرفة، ولم تتردد لثانية واحدة بأن تخلع نعلها وتقذفه على تلك الحمقاء التي تسببت بكل تلك الفوضى.
 
 انتفضت منار من نومنتها بفزع، عندما شعرت بذلك الشئ يصتدم بظهرها، نظرت حولها بتيهة وبشئ من البلاهة وعدم الإدراك تسائلت وهي تُمسك به: إيه دا؟
 جاءها صوت غزل من خلفها صارخة بها بغيظ: دا الشبب اللي هينزل بيزغرط فوق دماغك يا عين أمك.
 صمتت قليلًا تأخذ أنفاسها، ثم أشارت للغرفة المُتسخة بكل ركنٍ بها: بقى دي منظر أوضة يا معفنة! دي لو زريبة كانت هتبقى أنضف من كدا.
 
 اعتدلت منار محلها مُتثائبة بكسل: مالك بس يا حبيبتي زعلانة ليه! وبعدين يا ستي لو على الأوضة عفاف الشغالة هتيجي تنضفها.
 اقتربت منها غزل قليلًا ثم سألتها بإبتسامة مُريبة: ألاه هو أنا مقولتلكيش!
 حدقت بها بقلق، مُبتلعة ريقها وهي تسألها بريبة: لأ مقولتليش.
 أكملت غزل حديثها بتعابير وجه شامتة: مش عفاف مشيت ومش هتيجي تاني، قِرفت منك ومن أخوكِ المعفن وخدت إجازة ذهاب بلا عودة، والكلام دا بقى معناه إيه؟
 
 ورغم علمها بإجابتها؛ إلا إنها تسائلت وهي تدعو بأن تُخيِّب ظنها: معناه إيه!
 صفقت غزل بيدها مُجيبة إياها بإبتسامة واسعة: معناه إنك هتنضفي أوضتك وتساعديني في الغسيل والمسيح والنشير والطبيخ يا عين أمك.
 وما كادت أن تعترض حتى قاطعتها بتحذير وقوة: وخمس دقايق بالظبط أدخل ألاقيكِ منضفة الأوضة، وإلا قسمًا عظمًا هخلي شعرك دا شرشوبة وهمسح بيه البلاط، يلا يا بت بلاش دلع.
 
 قالت جملتها ثم تركتها وخرجت من الغرفة بأكملها، تاركة إياها تشد على خصلاتها بغيظ من أفعال والدتها.
 اتجهت غزل ناحية غرفة مدثر لتُيقظه هو الآخر، وما كادت أن تفعل؛ حتى استمعت إلى حديثه المُغازل الذي وصل إلى مسامعها: وأخيرًا يا بت هتبقي مراتي وهعمل اللي أنا عايزه، ه...
 
 لم يكد أن يُكمل باقي حديثه حتى دلفت غزل بملامح مكفهرة، قبل أن تتحدث بإستنكار: لأ والواد محترم أوي ومعملش اللي هو عايزه، إيش حال يا ولا ما كنت بقفشك أنت وهي تحت السلم!
 اعتدل مدثر الذي كان يستند بظهره على الفراش، فتحدث بغيظ وما زال يضع الهاتف على أذنه: إيه يا ماما! ما تسبيني أقول للبت كلمتين حلوين.
 
 اقتربت منه حتى باتت تقف أمام فراشه مباشرةً، ثم انتشلت الهاتف من بين يديه واضعة إياه على أذنها، متحدثة بحنق: بت يا لوچي احنا لسه فيها، الواد دا سافل وقليل الأدب وعينه زايغة، إهربي يا عين أمك من خلقته دي، ومتنسيش إنه كان بيخونك مع حور.
 جاءها صوت لوچي المتذمر والتي هبت من مكانها بغضب: ما خلاص يا زوزا بقى، أنتِ لازم تفكريني بعملته المهببة يعني.
 
 صرخ مدثر بغيظ بعدما انتشل الهاتف من يدها، ثم فتح مكبر الصوت به: يا حبيبتي والله ما خونتك، أنتِ عارفة إن حور بتحبني، أنا مليش ذنب.
 تلك المرة ردت عليه غزل بصوت عالي حتى تستمع إليه الأخرى: كداب يا منافق، أنتَ طول عمرك قليل الأدب أصلًا، وأكيد كنت بتجر ناعم معاها.
 
 كاد أن يُجيبها، لكن قاطعته لوچي التي هتفت بغضب: معاكِ حق، أكيد هو جَر ناعم معاها، أنا مش عايزة أكمل معاك يا مدثر، وخلي حور تنفعك، ومن غير سلام.
 قالت كلماتها ثم أغلقت الهاتف بوجهه وهي تشعر بالحنق منه ومن إبنة عمها حور، هبَّ مدثر من على الفراش صارخًا بعلو صوته: يا بابا، تعالى شوف مراتك يا عم الحج أنا مش ناقص.
 
 خلعت غزل نعلها من قدمها للمرة الثانية، ثم ضربته به على ذراعه بقوة، هاتفة به بصراخ: مش ناقص إيه يا قليل الأدب يا عديم الرباية أنت! ما أنتَ ابن ريان هقولك إيه يعني!
 في تلك الأثناء أتى ريان وهو يرقص على أحد الأغاني الأجنبية الذي أصبح يستمع إليها في الآونة الأخيرة، أطلق مدثر صفيرًا يُشجع والده، ثم أنهى عبثه بحديثه الوقح مُتناسيًا غضبه وسبب ندائه له: شكلك رايق وفايق يا والدي، بركاتك يا غزل.
 
 حدجته غزل بنظرات نارية ثم صرخت بهم بصوت أفزعهم: يعني مش كفاية عليا الراجل سافل! لأ وابنه كمان قليل الأدب ومترباش! أطفش وأسيبلكم البيت! أشد في شعوري يا ناس!
 أغلق ريان الأغاني ثم حدق بها لوهلة، قبل أن يقول بقلق: ولما أنتِ تمشي مين اللي هيعملي المكرونة اللي بحبها!
 
 ثانية. ثانيتان. والصمت يعم المكان، لم تتحدث ولو ببنت شفة، بل تُحدجه بنظرات حارقة، ذهب مدثر إلى والده ليقف بجانبه، ثم مال عليه يهمس بخوف: عجبك كدا! دلوقتي هتنكد علينا طول اليوم ومش هتعملنا أكل.
 نظر له ريان بطرف عينه، ثم ابتلع ريقه بقلق، مُجيبًا إياه: تفتكر!
 
 ارتسمت الحسرة على وجه مدثر، ثم هزَّ له رأسه بخفة عدة مرات يُؤكد على حديثه، عاد ريان بنظره إلى زوجته الصامتة، لم تتحدث، بل فقط تُتابعهم بنظرات جامدة، قرر إصلاح ما فعله بقوله الأحمق، لذلك اقترب منها حتى وقف قبالتها مُحيطًا بكتفيها: غزالتي أنتِ طبعًا عارفة إني بهزر صح!
 
 دفعت يده بحدة فعاد ليقف بجانب ابنه مرة الأخرى، فأصبحا الإثنان يقفان أمامها كالأطفال المُذنبة، وهي تُعنفهم: بلا غزالتي بلا زفت، واسمعوا بقا انتوا الإتنين، أكل مش عاملة، ترويق مش مروقة، غسيل مش غاسلة، مسيح مش ماسحة، وابقوا اخبطوا دماغكم في الحيطة انتوا الإتنين، أنا راحة عند أمي.
 أنهت حديثها ثم تركتهم ينظرون لبعضهم بتحسر، ليخرج صوت ريان الحزين: يعني كدا مش هناكل مكرونة النهاردة!
 
 وبس يا بابا، هو قالي نتعرف من هنا، روحت ردحاله ومفرجة عليه الجامعة كلها، وأنا عشان طيبة وبنت ناس ومتربية، معملتش حاجة تاني.
 أنهت «رهف» حديثها وهي تشرح لوالدها «معتصم» ما حدث من شجار مع صديق اقترح عليها فقط أن يقوم بالتعرف عليها.
 صفق لها «معتصم» بفخر، ثم التقطها في أحضانه مُهللًا: أنتِ حبيبة أبوكِ، بس بلاش حوار إنك طيبة ومتربية دا، أنا أصلًا معرفتش أربي.
 
 تجعد وجه «رهف» بضيق، فجاء صوت «جميلة» توأمتها المُتحدث بضجر: يا بابا بقولك فرجت علينا الجامعة كلها، الواد قالها نتعرف بس يا مؤمن مقالش حاجة تاني، وألاقي ماسورة شتايم انفجرت من بُوقها، ما كان ممكن تقوله لأ وتمشي وخلاص، لأ لازم تعمل فيها صعبة المنال.
 عقبت «سجود» تلك المرة مُحدجة إبنتها بضيق: معاكِ حق واللهِ، ملهاش لازمة الهيصة اللي أنتِ عملتيها دي كلها.
 
 أكدت عليها «جميلة» بثقة: بالظبط يا ماما.
 لتصدمها «سجود» بإكمالها لحديثها: كنتِ إلطشيه قلم يعرفه مقامه المعفن دا، يعني إيه يتعرف عليكِ! هي سايبة ولا سايبة!
 فتحت «جميلة» عيناها بصدمة، ثم نظرت لوالدها علّه يعترض على حديثها، لكنه لم يفعل شئ سوى تأييده لها، بل ومغازلته لها أمامهم: مراتي حبيبتي بتقول حِكَم واللهِ، أنا متجوز جوهرة وعهد الله.
 
 خجلت «سجود» وأطرقت برأسها للأسفل تهرب من نظراته المُحدقة بها، لتُتمتم بحرج: الله يسترك.
 تشنج وجه «معتصم» من إجابتها البلهاء تلك، بينما كتمت التوأمتان ضحكاتهما بصعوبة على ملامح والدهم المُضحكة، أشارت «رهف» ل«جميلة» للذهاب لكنها لم تفقه تلميحها، أشارت لها «رهف» مرة أخرى، لتعقد «جميلة» حاجبيها بغباء لا تدري ماذا تريد.
 
 لاحظ «معتصم» النظرات بين ابنتيه، وبالتأكيد تفهم موقف «رهف» ومغزى إشاراتها، لذلك نظر إلى «جميلة» بسخط مُرددًا: قصدها تقول للبعيدة تقوم وتسيب أبوها وأمها لوحدهم يا جِبلة.
 انحلت عقدة حاجبيها ثم رفعتهم قائلة بإستنكار: في إيه يا بابا، هو أنت كل ما تلاقينا قاعدين بتبقى عايز تطرقنا، يا جدع اعمل حساب لسنك.
 
 هبَّ «معتصم» من مكانه، واشتدت عيناه غضبًا من حديثها، ثم لوَّح في وجهها بنفور: وماله سني إن شاء الله يا بنت سجود! لأ يا حبيبتي دا أنا لسه شباب وبكامل قوتي وأناقتي، وكلمة كمان هتلاقيني بضهر إيدي وعلى وشك أوقعلك صف سنانك كلها.
 أنهى حديثه وصدره يعلو ويهبط بإنهاك وتعب، ثم تمتم بمظهر مُثير للضحك: قالي سِني قال.
 
 جذبته «سجود» تُربت موضع قلبه، وهي تُحاول قدر الإمكان 
السيطرة على ضحكاتها، ثم أردفت بخفوت: إهدى يا معتصم، صحتك ياخويا.
 غضب مرة أخرى عند تذكيره، فكم يكره ذلك بحق، لا يعلم كيف مرَّ عشرون عامًا من حياته، وأصبح رجل أربعيني يغزو الشيب معظم رأسه، ورغم حفاظه على وسامته والتي خفتت قليلًا، إلا أنه يشعر بالحنق من ذلك.
 
 حدق بهم بسخط جميعًا، ثم هبَّ من مكانه مُغادرًا، ليدلف إلى غرفته التي أغلق بابها بحدة تعكس مدي غضبه.
 نظرت «سجود» لأثره بإبتسامة عاشقة، تعشقه رغم غضبه وضيقه، لقد وقعت به منذ زمن ولم يقل حبه في قلبها، بل يتزايد تدريجيًا رغمًا عنها، عادت لتنظر إلى ابنتها «جميلة»، ثم أردفت بعتاب: عاجبك كدا يا ست زفتة! أهو أبوكِ اتقمص، وقدامه سنة على ما يتصالح بقى.
 
 هما اتلموا عليا من هنا، مسكتهم كلهم بإيد واحدة ونزلت طحن فيهم من غير ذَرة رحمة ولا شفقة.
 صعدت تلك الكلمات من فم «إسحاق» المُمدد على فراش المشفى، ووجهه ملئ بالكدمات ويده قدمه مُلتفين بجبيرة كبيرة بطول ذراعه وقدمه.
 وضع «موسى» يده على جروح وجهه يضغط عليها بقوة، ثم تحدث بسخرية: لأ واضح فعلًا إنك قطعتهم، ما شاء الله عليك، أنا مخلف راجل.
 
 صرخ «إسحاق» بألم من لمس والده لوجهه الملئ بالكدمات التي لم تُشفى بعد، ثم أردف بحنق: آاه يا بابا وشي.
 جاورته من الناحية الأخرى «تسبيح» التي أتت للتو ومعها إبنتها «مي» التي تحمل بعض العصائر والوجبات لشقيقها، مسدت «تسبيح» على ذراعه بحنو، ثم قالت موجهة حديثها ل«موسى» بعتاب: حرام عليك يا موسى هو فيه نَفَس!
 
 رد عليها «إسحاق» مؤكدًا: قوليله يا ماما، القاسي مش حاسس بيا، توقعي مش مصدق إن أنا ضربت شوية الأوباش دول!
 لوت «مي» شفتيها بإستنكار، مُكررة فعلة والدها معه: مصدقينك يا ضنايا متحلفش بس.
 وللمرة الثانية يصرخ بألم شديد، تبعه صياحه المُهلل بها: قطع إيدك يا قذرة يا عديمة المشاعر والأحاسيس.
 
 سدد له «موسى» نظرة نارية، ثم نكزه في جانبه بخفة: صوتك ميعلاش على أختك ياض بدل ما أقوم أكمل على خلقتك اللي مش باينة دي.
 ثم نظر ل«مي» التي تُحدق شقيقها بشماتة: تعالي جنبي يا حبيبة أبوكِ وسيبك منه.
 جلست «مي» جانب والدها، ليُحيط بها من كتفها ناظرًا ل«إسحاق» بتحذير: لو بصيت لأختك بصة مش عجباني هخذقلك عنيك دي.
 
 سعدت «مي» من حديثه، لذلك قبلته بحب على وجنته مُردفة بحب: حبيب قلبي واللي ليا أقسم بالله، ياما نفسي أتجوز واحد عسل وحليوة زيك كدا.
 أشار «إسحاق» ناحيتها بإتهام، موجهًا حديثه لوالدته: شايفة! شايفة معاملته ليا! يا ستي الله يكرمك لو لقيتوني على باب جامع قولولي، على الأقل أروح أدوَّر على أهلي الحقيقين.
 
 حدق به «موسى» بإشمئزاز، ثم أردف بجدية زائفة: اتوكس، وأنتَ مين يطيقك يا وش الفقر أنت! احنا لو علينا نتبرى منك ونخلص بدل ما كل يوم والتاني تيجي لينا مضروب كدا.
 أوقفه بإحتجاج مُدافعًا عن ذاته: لأ عندك يا والدي، دي كلها شوية كدمات، أنتَ لو شوفتهم هيصعبوا عليك من ضربي فيهم.
 ربتت «تسبيح» على كتفه بإستنكار: واللهِ أنت اللي صعبان علينا يا حبيبي، خليك في خيبتك.
 
 انكمش وجهه بضيق، بينما انفجر كُلًا من «موسى ومي» ضاحكين على تعابير وجهه المُستنكرة، وبعد قليل شاركهم في الضحك على بلاهته، وداخله يتوعد لهؤلاء الأوغاد الذين أخذوه غدرًا.
 
 أنهت «منار» تنظيف غرفتها بعد عناء طويل، أنهكها التعب؛ لكن مظهر الغرفة النظيف جعلها تشعر بالإنتصار، وكأنها فازت في حربٍ ما للتو، بالطبع ستسعد والدتها بهذا الإنحاز العظيم الذي حققته.
 فزعت عندما وجدت باب الغرفة يُفتح على مصرعيه، تلاه دخول شقيقها «مدثر» الذي يصرخ عاليًا غير عابئًا بالجميع: شايفة أمك وعمايلها! طفشت وسابت البيت ومعملتش لينا الأكل.
 
 فتحت عيناها على مصرعيها بصدمة، ثم ضربت على صدغها بعدم تصديق: يالهوي! معملتش أكل! إيه الأم دي!
 دار «مدثر» حول ذاته يُفكر بما سيأكله، إلا أن توقف فجأة عندما أتى برأسه الحل: لقيتها، أنتِ اللي هتعمليلنا الأكل.
 شهقت «منار» بردح هاتفة بصوت عالي: نعم! أنت هتهزر يا خويا! أنا مش بعرف أسلق بيضة حتى.
 أمسكها من ثيابها من الخلف يهزها بقوة: أنتِ بتعلي صوتك على مين يابت أنتِ!
 
 وفي ثانية واحدة تبخرت قوتها الواهية، رسمت إبتسامة بلهاء على ثغرها، ثم أجابته بتلعثم: إيه دا هو أنا كنت بزعق فيك أنت! يقطعني.
 قرَّب وجهه من أذنها يهمس لها بشر: ما هو هيقطعك فعلًا، بس هقطع لسانك الطويل دا.
 لوت شفتيها ثم ردت بإمتعاض: يا مدثر سيبني بقى الله! يا أخي ورايا جامعة وهتأخر.
 
 تركها مُحدجًا إياها بقرف، ثم غادر من الغرفة تمامًا ورحل ليبدأ رحلة البحث عن الطعام، وهُنا أتى في خاطره فكرة خبيثة نوى فعلها.
 بعد مغادرة «مدثر» مباشرةً، صدح هاتف «منار» يعلن عن قدوم مكالمة، أمسكته بيدها ثم تجعد وجهها بإستنكار، لتُغلقه ولم تُجيب عليه.
 
 اتجهت ناحية الخزانة وأخرجت منها ثيابها الواسعة المحتشمة منها ثم وضعتهو على الفراش، وما كادت أن تُبدِّل ملابسها حتى صدح رنين الهاتف مرة اخرى.
 نفخت بنفاذ صبر، ثم انتشلته بحدة مُجيبة على المتصل بغضب: عايز إيه يا «عُدي»! نازل رَن ليه من الصبح!
 
 جاءها صوت «عدي» الغاضب يصرخ بها: أنا عايز أعرف أنتِ مبترديش على تليفونك من إمبارح ليه! اعملي حساب للحيوان اللي دايخ وراكِ على الأقل، دا لو بكلم في جماد كان حَس يا شيخة!
 استمعت لكلماته بألم، وتشكلت طبقة رقيقة من الدموع داخلهما، سيطرت على ذاتها ثم أجابته بصوت جعلته ثابت نسبيًا: عايز إيه يا عدي!
 
 أجابها بهياج من إجابتها والتي ظنها باردة: عايز أعرف الهانم مالها! إيه اللي غيرك من ناحيتي يا منار! فرحنا بعد اسبوعين وأنا وأنتِ كنا مبسوطين، إيه اللي حصل عايز أفهم!
 سحبت نفسًا عميقًا، ورغمًا عنها انسلتت دمعة مليئة بالحرقة على وجنتها، مسحتها سريعًا ثم أجابته بثبات زائف: كل الحكاية إني مبقتش عايزة أكمل، مش مرتاحة معاك يا عدي، ارتحت كدا!
 
 انتظرت إجابته ثانية وثانيتان لكن لا يوجد رد، حتى ظنته قد أغلق الهاتف بوجهها، لكن صوت أنفاسه الغاضبة وصوته الذي صرخ بسبة بذيئة أكدت عكس ذلك، ارتجف جسدها من غضبه، وارتعشت كل ذَرة بكيانها خائفة من ردة فعله، كادت أن تتحدث لكنه أغلق تلك المرة بوجهها بالفعل.
 
 نظرت للهاتف بتحسر، ثم انفجرت باكية بعدها، لا تعلم ما عليها فعله، هناك شئ ما يؤرقها، لا تريد ظُلمه، تعشقه بكل كيانها، قلبه يصرخ بها لما فعلته، وعقلها يَحثُها على الإكمال، وستتبع صوت عقلها تلك المرة.
 
 خرج «موسى» من المشفى متعجلًا عندما هاتفه «ريان» وطلب من القدوم لأمر هام لا يمكن تأجيله، لذلك أوقف سيارة أجرة ثم أملاه العنوان سريعًا، وداخله يدعو أن يكون الجميع بخير.
 
 بينما هبطت كُلًا من «تسبيح ومي» للكافتيريا الخاصة بالمشفى لجلب الطعام والعصائر ل«إسحاق»، الذي طمأنهم الطبيب على حالته، وأخبرهم بأنه يُعاني فقط من بعض الكدمات في وجهه ليست بالخطيرة وكسر خفيف في ذراعه الأيمن، وإلتواء كاحله ليس أكثر ولا يوجد به أي كسور، لكن الممرضة تخبطت بين حالته وبين حالة مرض آخر أتى معه، وقامت بتجبير قدمه كاملةً، وكذلك ذراعه.
 
 بعد ذهابهم؛ أخرج «إسحاق» هاتفه يُهاتف «مدثر»، والذي أجابه سريعًا بمزاح: الواطي ابن ال...
 لو قليت أدبك هخلي وشك شوارع يابن «ريان».
 حمحم «مدثر» بقلق ثم أجابه بجدية: عايز إيه ياض انجز مش فاضيلك ورايا أشغال.
 لوى «إسحاق» ثغره بإستنكار مُجيبًا إياه: أشغال مين يا أبو أشغال! احنا هنصيع على بعض يا عاطل أنت!
 
 نفخ «مدثر» بقلة صبر ثم صرخ به: ما تنجز يلا مش فاضيلك.
 طيب طيب، المهم أنا في المستشفى وهتحجز فيها الليلة دي.
 انخلع قلب «مدثر» خوفًا، ثم أجابه بهلع: يا مصيبتي! مستشفى إيه! بتموت! لأ يا إسحاق لأ، متعملش فيا كدا، متموتش قبل ما تجيب العشرة جنيه اللي عليك.
 
 للحظة صدق «إسحاق» خوفه عليه، لكن بحديثه الأخير جعله يندم على مصادقته، لذلك أردف قبل أن يُغلق الهاتف بوجهه: بقولك إيه يا صاحب الندامة أنت، أنا مش عايز أعرفك تاني، جتك داهية في معرفتك.
 نظر «مدثر» للهاتف بحاجب مرفوع قبل أن يتسائل بغباء يُشبه غباء والده: هو زِعل ولا إيه!
 فكر قليلًا مع ذاته، ثم شهق بصدمة: يالهوي دا شكله زِعل بجد!
 
 يقف بالصيدلية التي عمل بها مؤخرًا يُولي ظهره للأشخاص الواقفين ينتظرون دورهم، مدَّ يده ليسحب ذلك الدواء الموجود بالرف العُلوي، حتى نجح في ذلك.
 أعطى الدواء للعجوز بإبتسامة بشوشة، ثم ودعه بود وإحترام تاركًا إياه يقف وحده، جلس سليمان بإنهاك على المقعد المُخصص له فاركًا رأسه بتعب، فاليوم كان العمل يفوق طاقته بكثير.
 
 فتح عيناه عندما استمع لصوت تلك السيدة التي دلفت للتو، والتي تهتف بصوت عالي: مساء الخير يا ضاكتور.
 وقف من مكانه ثم ذهب ليقف قبالتها، ويفصل بينهما ذلك الحائل الزجاجي الملئ بالأدوية، رسم إبتسامة عملية على ثغره مُجيبًا إياها: مساء الخير يا حَجة، أساعدك بإيه!
 
 أخرجت عدة أوراق من حقيبة بلاستيكية سوداء رثة، ثم وضعتها أمامه على الحائل الزجاجي، قائلة له برجاء: والنبي يا ضاكتور خُد شوفلي التحاليل دي بتقول إيه، أصلي إمبارح رُحت كشفت والضاكتور قالي أعمل تحاليل، والنهاردة الخميس وهو مش موجود، فعشان كدا جيتلك تشوفلي عندي إيه وتطمني.
 
 تمتم «سليمان» مع ذاته بجملة لا إله إلا الله لحلفانها بغير الله، ثم قال لها بعملية: مينفعش يا حَجة، لازم الدكتور نفسه هو اللي يشوف التحاليل دي عشان يكتبلك على علاج مناسب.
 رسمت الحزن على معالم وجهها، ثم أردفت بنبرة جعلته يشعر بالشفقة تجاهها: يابني الله يكرمك طمني أنا قلبي واجعني.
 
 شعر بالحزن تجاهها، لذلك أخذ منها الأوراق ونظر داخلهم لبضعة دقائق قليلة، ثم نظر لها بسعادة قائلًا بإرتياح: الحمد لله يا حَجة مفيش أي حاجة، التحاليل سليمة وزي الفل، هما بس شوية أملاح وأنيميا مع العلاج هيروحوا لحالهم.
 انكمش وجهها بغضب، ثم دفعت له الأوراق مرة أخرى بحدة مُردفة بسخط: يا ضاكتور شوف بس يمكن فيه حاجة كدا ولا كدا وأنت مش واخد بالك.
 
 قطب جبينه بتعجب، وللحق لقد اندهش كثيرًا من ردة فعلها، ظنها ستسعد لتلك الأخبار المُبهجة وأنها بكامل صحتها، لكنها عكست توقعاته، لذلك أعاد النظر في التحاليل الخاصة بها، ثم نظر لها مجددًا قائلًا: زي ما قولتلك يا حَجة التحاليل سليمة ومفي...
 
 وما كاد أن يُكمل حديثه حتى قاطعته صارخة في وجهه: هو إيه اللي مفيهاش حاجة! دا أنا دافعة دم قلبي في التحاليل دي وفي الآخر تقولي مفيهاش حاجة! أنت أكيد مش بتفهم، أنا غلطانة أصلًا إني أسألك يا دكتور البهايم أنت.
 
 قالت جملتها ثم تركته ينظر لأثرها مشدوهًا من ردة فعلها الحانقة والغاضبة بذاتِ الوقت، وما كاد أن يستوعب ما حدث ويعود لمحله، حتى أتي له طفل صغير يحمل غطاء لدهان ما، ثم أردف له بطفولية وهو يمد يده يحثه لإمساك ذلك الغطاء:
 عمو. عمو. بتقولك ماما هات المرهم بتاع الغطا دا.
 وهنا فقد أعصابه كاملةً، لذلك صرخ في وجهه دون أن يُراعي عُمر الطفل أو ابن مَن هو: غور من وشي، مش ناقصك يلا أنت وأمك.
 
 نظر له الصبي لثوانٍ، ثم بدأ في البكاء بهستيريا وغادر يهرول للخارج، تاركًا إياه ينظر لأثره بندم، وللأسف لا يعلم ما ينتظره بعد قليل. 
 
 بعد ذهاب ذلك الطفل من أمامه باكيًا، عنَّف «سليمان» ذاته بحدة وعتاب، فطفل كهذا لا يستحق ذلك التوبيخ الذي ناله منه، منذ متى وكان قاسيًا هكذا! سحب نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل، ومن داخله قرر الإعتذار لذلك الصغير عند رؤيته مجددًا.
 
 لم تمر سوى خمس دقائق، وسمع صوت جلبة تأتي من الخارج، لم يهتم من البداية، خاصةً وأن تلك المناطق الشعبية يحدث فيها العديد والعديد من المشاحنات، وبالطبع لن يُدخل ذاته في ذلك.
 
 أعلن هاتفه عن إتصال عندما صدح رنينه في الأرجاء، انتشله من على الطاولة العريضة، ثم ابتعد قليلًا عن مصدر الصوت الذي يقترب منه تدريجيًا لكنه لم يُعطي لذلك همًا، وجد إسم «مدثر» يُنير على شاشته، لذلك أجاب بهدوء: السلام عليكم.
 أتاه صوت «مدثر» المازح: وعليكم السلام أخ سليمان، كيف حالك وحال أولادك وبناتك وأولاد خالاتك وعماتك ووالديك عزيزي.
 
 تشنج وجه «سليمان» بإستنكار، ثم أجابه بسخط: ولاد مين! يابني أنت أهطل! انجز في يومك دا عايز إيه!
 قطب «مدثر» جبينه بغضب، ثم نهره قائلًا: ولد! أنت مش عارف إني أكبر منك ب 7 سنين، يعني المفروض تحترمني وتقولي يا أونكل.
 
 استنكر «سليمان» حديثه عن عمره، ف«مدثر» يبلغ من العمر الثامنة والعشرون، لكن أفعاله تُوحي بصغره وطفوليته، يشبه الأطفال. لكن ليس في البراءة، بل في الغباء.
 تلك المرة تحدث «مدثر» بجدية طفيفة: المهم كنت عايز أقولك إن إسحاق في المستشفى، شكل العيال إياهم هما اللي عملوها ومش ناويين يجيبوها لبر، ف...
 
 قاطعه «سليمان» وملامح الخوف تُسيطر على وجهه، عندما وجد الكثير من الرجال يقفون أمامه ومعهم ذلك الطفل، بل ويحملون في أيديهم عُصيّ كبيرة ستقضي عليه لا محالة إن هبطت على جسده: بقولك يا مدثر! احجزلي سرير جنب إسحاق الله يسترك، أصلي بحبه وناوي أقضي معاه اليوم.
 
 قطب «مدثر» جبينه بتعجب، وكاد أن يسأل عن ماهية حديثه؛ فوجد الإتصال قد انقطع عنه، نظر للهاتف ببلاهة مُتمتمًا مع ذاته: أهبل دا ولا إيه!
 
 هزَّ كتفه بلامبالاة واضعًا الهاتف بجيب بنطاله، ثم استعد للذهاب إلى «إسحاق» بالمشفى للإطمئنان عليه، لكن قبل أن يذهب إليه؛ سيتجه إلى منزل معشوقته ليراها، فلقد اشتاق لها حد اللعنة، وما زاد شوقه؛ هو عدم إجابتها على الهاتف بسبب كلمات «غزل» التي ألقتها على مسامعها.
 
 البلهاء تظن بأنه يُحب أخرى، لا تعلم بأنها امتلكت قلبه منذ الصِغر، وكأنها ألقت عليه لعنة العشق ليُصبح أسيرًا لها، رمت عليه تعويذة خاصة بها، فأصبح سجين لهواها.
 وعلى الجانب الآخر. ابتلع «سليمان» ريقه برعب عند رؤيته لهؤلاء الرجال، والذي يظهر الإجرام على ملامح وجوههم، هتف أحدهم بصوت غليظ ومخيف: أنت فين يا دكتور الندامة أنتَ!
 
 حاول «سليمان» التحلي بالشجاعة، فخرج من تلك الزاوية الصغيرة الموجودة بالصيدلية، ثم أردف بصوت جعله ثابت بقدر الإمكان: أيوا يا فندم أقدر أساعد حضرتك في حاجة!
 أتاه الجواب على هيئة ضربة أطاحت بلوح الزجاج المُمتلئ بالأدوية، حينها تمتم «سليمان» بصوت باكٍ: دعواتك يما، هموت مقتول يا خرابي.
 
 أمسكه الرجل من ياقة قميصه ثم هزه بعنف مُقربًا وجهه من وجه الآخر، مما جعل رائحة أنفاسه الكريهة تضرب ببشرته: أنت اللي زعقت للواد ابني! دا أنت سنة أهلك سودة.
 أبعد «سليمان» وجهه عنه بنفور، وقام بإغلاق أنفه بيده، ثم تحدث بإشمئزاز: ريحة بُوقك ياي أوفر، حضرتك في هنا غسول للفم روعة، فلو عايز ممكن أجيبل...
 
 اشتدت قسمات وجه الآخر بالغضب، حتى أوشكت على الإنفجار، وهُنا أنعى «سليمان» غباؤه على ما يتفوه به من حُمق، وما كاد أن يتحدث؛ حتى باغته الرجل بلكمة أصاحت بجسده الضئيل أرضًا، ليستمع إلى صوت أحد أبناء ذلك الرجل: سيبوا يابا وأنا هقطعه، مش هخلي في خلقته حِتة سليمة.
 
 ابتعد له أباه دون أن يتفوه بكلمة واحدة، فإشتدت يده على الإمساك بالعصى وهو يُحدقه بتوعد، ابتعد «سليمان» بظهره للخلف، ثم رفع سبابته يُحذره بشجاعة واهية: أنت. أنت عارف لو قربت مني هعمل فيك إيه! هصوت.
 إلتوى ثغر الآخر سخريةً، ثم رفع يده وهبط بالعصى على رأسه، ليفقد وعيه في الحال.
 
 وصل «موسى» مهرولًا إلى منزل «ريان»، والذي طلبه في شئ هامًا للغاية، طرق جرس الباب ففتح له «مدثر» الذي كان ينتوي الهبوط، والذي أردف بمشاكسة: أووه ياااه، موسى ذات نفسه عندنا هنا!
 دفعه «موسى» بنفاذ صبر، ثم دلف للداخل بعد أن سأله بترقب: والدتك هنا!
 
 هزَّ رأسه نافيًا، ليجلس «موسى» على الأريكة بإنهاك مُتمتمًا بتعب: منك لله يا ريان، ويخربيت ومعرفتك.
 أنهى حديثه ثم نظر إلى «مدثر» المُتابع إياه ببلاهة، قائلًا: نادي لأبوك عشان ألحق أرجع للمستشفي للواد المتلقح هناك دا.
 أومأ له «مدثر» بالإيجاب، وعلى بغتة أفزعت الآخر نادي على أبيه صائحًا بصوت عالي: أبااااا، يابا، كلم موسى.
 
 انتفض «موسى» من مكانه حاملًا المزهرية التي بجانبه، ثم قذفه بها: موسى إيه يا قليل الأدب يا عديم الرباية، ما أنت ابن ريان صحيح.
 خرج في تلك الأثناء «ريان» من المرحاض مُدندنًا مع ذاته بلحن أغنية ما وهو يُجفف خصلاته المُبتلة، جزَّ «موسى» على أسنانه بغيظ عندما رأى حالته المُستمتعة، لم يكن واقع بمصيبة كبيرة كما أخبره إذًا!
 
 أبصر «ريان» نظراته الغاضبة المُصوبة تجاهه، وسرعان ما رسم الحزن على تعابير وجهه، إلتوى ثغر «مدثر» بإبتسامة عابثة وهو يعلم بقدوم عِراك بين الإثنان لا محالة، لكن ولسوء حظه ليس لديه الوقت الكافي للمتابعة، لذلك حمحم وهو يستأذن منهم: طب بالسلامة بقى عشان ورايا مشاوير وهَم ما يتلم، وابقى صورلي الخناقة بس مباشر يا والدي.
 
 أنهى حديثه ثم تركهم وغادر هابطًا للأسفل، يقصد منزل «فارس»، وبالتأكيد يُريد أن يراها هي تحديدًا.
 استدار «موسى» ل«ريان»، وما كاد أن يسأله عن سبب دعوته تلك؛ حتى استبقه «ريان» وهو يتقدم منه مُتحدثًا بنبرة حزينة: شوفت يا موسى يا خويا اللي حصل! غزل سابت البيت ومشيت، وحالفة يمين طلاق ما هي راجعة، بقى بعد السنين دي كلها تتخلى عني وتسيبني!
 
 جائه رد «موسى» الساخط وهو يُسيح بيده في وجهه: يا أخي بركة إنها طفشت، أنا مش عارف استحملتك أنت وابنك كل السنين دي إزاي! دا أنا صاحبك أهو ومش طايقك.
 حدجه «ريان» بإستنكار، ثم مصمص على شفتيه رافعًا أحد حاجبيه: ومالي أنا وابني إن شاء الله! دا احنا حتى مفيش في هدوئنا ولا في أخلاقنا.
 
 أكد عليه «موسى» ساخرًا: على يدي يا حبيبي والله، أنت من كُتر الإحترام ناقص تكون إمام جامع.
 استشف سخريته في الحديث، لذلك مطَّ شفتيه بضيق ولم يُعقب، حدجه «موسى» بيأس وهو يهز رأسه بقلة حيلة، ف«ريان» سيبقى كما هو، طفل صغير يحزن من أقل الأشياء، مهما احتل الشيب رأسه سيظل كما هو.
 
 حمحم ثم اقترح عليه بحماس ليُخرجه من ضيقه: أنا عندي فكرة، أنت تشتري ليها بوكيه ورد حلو كدا، مع علبة شيكولاتة من اللي قلبك يحبها، وتاخدهم معاك وتروحلها عند بيت أهلها وتصالحها.
 نالت الفكرة إعجاب «ريان» كثيرًا، هو بكل تلك السنوات لم يجلب لها وردًا أو حلوى، بل كان يكتفي بأن يُعطي لها عِقدًا من الذهب أو ما شابه، وللحقيقة كانت تسعد كثيرًا، فكانت أقل الأشياء تجعلها تكاد أن تطير فرحًا.
 
 أومأ بالإيجاب وعلى ثغره ابتسامة تتسع تدريجيًا عند تخيله لردة فعلها، أستسعد! بالتأكيد كذلك، نظر ل«موسى» المُتابع له ثم أردف بإلحاح: طيب تعالى معايا عشان خايف أعُك الدنيا معاها.
 استهجن «موسى» حديثه، فأجابه بحاجب مرفوع: يابني أنت صغير! دا أنت عندك 51 سنة.
 ورغم أن حديثه صحيح، إلا إنه صاح في وجهه بتوبيخ: طب متقولش 51 سنة بس، أنا مازالت شاب عشريني وسيم.
 
 لوى شفتيه ساخرًا، ثم هبَّ من مكانه مُتأهبًا للذهاب: طيب أنا همشي بقى عشان إسحاق في المستشفى لوحده هو والجماعة.
 وقف «ريان» هو الآخر قاطبًا جبينه بقلق: مستشفى ليه! إيه اللي حصل!
 أجابه «موسى» مستنكرًا وبسمة ساخرة مُتشكلة على ثغره: أبدًا يا سيدي، مِسِك شوية عيال ضربهم لحد ما طحنهم، وهو دلوقتي اللي في المستشفى.
 
 لم يفهم «ريان» حديثه في البداية، سرعان ما استشف المغزى من وراءه، ليُطلق ضحكة رنانة صدحت في الأرجاء، تلاها قوله الضاحك: لأ راجل صحيح، ابقى سلملي عليه لحد ما آجي أزوره أنا وغزل النهاردة.
 شاركه «موسى» الضحك وهو يُومئ له، ثم غادر وتركه يضحك بخفوت على هذا الحديث، والذي من المؤكد أن «إسحاق» هو قائله.
 
 هبط «مدثر» لمنزل «لوچي» حتى يُصالحها، يُفكر في غيرتها العمياء من «حور» ابنة «أحمد أبو زيد»، وقف أمام باب المنزل مباشرةً، وقبل أن يطرقه تمتم مع ذاته: ربنا يسامحك يا ماما، دي هتطين عيشتي.
 
 استجمع رباطة جأشه ثم طرق الباب على مهل، انتظر قليلًا حتى فُتِح الباب ببطئ، وأول مَن قابله هو «فارس» الذي ما إن رآه حتى رسم بسمة صفراء على ثغره، تبعها بقوله الحانق وهو يجز على أسنانه بغيظ: عايز إيه يا ابن ريان!
 
 ارتسم التوتر على محياه من وجوده، ف«فارس» يُحبه، لكنه لا يطيق وجوده بجوار ابنته، يحبها بشدة ويغار عليها كأنها محبوبته وليست ابنته، رفع يده في الهواء م لوحًا بها ببلاهة: ازيك يا عمو!
 
 لم يُجيبه، بل ظل يُحدق به بجمود لعلمه سبب قدومه، بالطبع قادم لتلك المُدللة ابنته، وهو لن يسمح له بذلك، علم «مدثر» ما يجول بخاطره، لذلك رسم على محياه الضيق، قائلًا بحزن زائف: طبعًا مفكرني جاي ل«لوچي» صح! على فكرة أنا جاي ليك أنت عشان أقولك إن عمو موسى قاعد مع بابا فوق وبيعيط عشان ابنه إسحاق في المستشفى.
 فتح «فارس» عيناه بفزع متشدقًا بقلق: بتقول إيه! مستشفى!
 
 لم ينتظر حتى لسماع اجابته، بل هرول للأعلى ل«موسى» والذي بات صديقه في تلك السنوات التي مضت منذ أن تزوج ب«تسبيح»، نظر «مدثر» لأثره بعيون يلتمع فيها المكر والخبث، ثم دلف مسرعًا للداخل حتى يستطيع التحدث معها قبل أن يأتي «فارس» إلى هنا مجددًا.
 
 اصطتدم ب«زهر» والتي كانت تخرج من المطبخ في ذلك الوقت، وضعت يدها على قلبها بفزع قائلة بخضة: حرام عليك يا مدثر، حد يدخل كدا!
 أجابها مُسرعًا وهو يُربت على كفها بإعتذار: حقك عليا يا حماتي، قوليلي بسرعة لوچي فين!
 ابتسمت بخفة وعلمت الان سبب هرولته تلك، فأشارت تجاه أحد الغرف قائلة بضحك: هناك قاعدة في أوضتها.
 
 أما بالداخل. عندما استمعت «لوچي» إلى صوته، قامت بإغلاق باب غرفتها بالمفتاح الخاص به حتى تمنعه من الدخول، فما زالت غاضبة منه، رغم علمها بأن ليس له ذنب في ذلك، ولكن هي تغارُ عليه بشدة.
 استمعت إلى صوت الباب، تبعه صوته المُنادي: لوچي افتحي أنا مدثر.
 هزت رأسها برفض كأنه يراها، ثم أجابته بتنعت وغضب: لأ مش فاتحة، وابقى خلي ست حور تنفعك.
 
 حور مين بس دلوقتي! طب افتحي بس ونتفاهم أنا وأنتِ بشكل وِدي.
 أصرت على عنادها مُجيبة إياه: لأ برضه، مش هفتح يعني مش هفتح، وسيبني وامشي دلوقتي يا مدثر بدل ما أنادي لبابا.
 لم يُعير لحديثها أي أهمية، فقال بصوت عالي وصل لمسامعها: افتحي يا بت، دا أنا الذي لا ينام الليل الكحلي بسبب التفكير في عيونك العسلي يا بت.
 
 لم تُجيبه بل تمددت على فراشها مستمتعة بحديثه الذي يُلهب نيران قلبها، تشكلت بسمة عاشقة على ثغرها عندما استمعت لبداية حديثه، سرعان ما اختفت عند استماعها لآخره: وأقسم بالله بحبك أكتر من حبي للمكرونة بشاميل.
 
 قطبت جبينها بغضب، ثم هبت من على فراشها بعصبية، تقف خلف الباب صارخة بحدة: لأ شكرًا مستغنيين عن خدماتك ياخويا، روح حِب المكرونة أحسن، احنا مش بنشحت حب من سيادتك، ولو اتطربقت السما على الأرض مش هفتح الباب يا مدثر.
 بعد ربع ساعة، كانت «لوجى» جالسة على الأريكة المُقابلة ل«مدثر» قائلة بخفوت وخجل: وأنا كمان بحبك يا مدثر.
 
 أسبل عيناه على وجهها بوله، ثم أردف ببلاهة: اعطيني كمان واحدة مدثر يارب تتجوزي.
 فتحت فمها في نية لإجابتها، وإذ بوالدها يدلف بغضب مُمسكًا ب«مدثر» من ياقة قميصه وهو يهزه بعنف: بقى أنت يلا بتضحك عليا أنا! طيب معنديش بنات للجواز.
 جعد «مدثر» جبينه بضيق، ثم أشار ل«لوچي» التي تُتابع شجارهم المعتاد بضحكة مكتومة: أومال اللي قدامك دي إيه! أباجورة!
 
 هزه «فارس» بعنف وهو يكز على أسنانه: هي مين دي اللي أباجورة يلا! بقولك إيه أنت أصلًا خاين وأنا ميرضنيش إن بنتي تتخان.
 وبصعوبة انفلت «مدثر» من بين يديه مبتعدًا عنه، تاركًا مسافة مُناسبة للهروب، ثم صفق بيده بطريقة تُشبه الردح: هو إيه اللي ميرضكش بنتك تتخان! ما أنت خونت طنط زهر مع السكرتيرة ومتكلمناش.
 
 ثانية. ثانيتان. وكان الصمت يعم المكان، ومن بعدها استمع الجميع إلى صوت صياح «زهر»: نعم نعم! بتخوني! والله دا أنا أقتلك فيها.
 حمحم «مدثر» بقلق، ثم عدَّل ياقة قميصه بيده، مُردفًا ببرائة: طيب يا جماعة استأذنكم أنا بقى عشان هروح أصلِّي المغرب.
 
 قال جملته ثم انطلق هاربًا للخارج بعدما أشعل الأجواء المحيطة به، وجهَّت «زهر» عيناها الغاضبة نحو زوجها، ثم أردفت بخفوت قريب وهو تُمسك بآلة حادة (السكينة) بين يديها: عايزة أفهم كل حاجة دلوقتي يا فارس، بدل ما أقتلك وأقتل ولادك الاتنين.
 
 ارتسمت ابتسامة متوترة على ثغر «فارس» وكذلك «لوچي»، دلف في تلك الأثناء «عدي» المُقطب الجبين، والذي لم يُعيرهم أي أهمية، دالفًا إلى حجرته بصمت وهدوء مريب أثار تعجبهم.
 
 قرر «فارس» التحدث معه لكن بعد الإنتهاء من حوار زوجته والتي من الممكن أن تقضي على حياته في لحظة غضب، اقترب منها رويدًا قائلًا لها بتهدأة: أنتِ عارفة إني بحبك يا زهري مش كدا! يعني مستحيل أبص لأي واحدة برا، لإنك بإختصار مالية عيني وقلبي.
 حسنًا. لقد قام بتهدأتها، لكنها ستصر على رأيها لمعرفة الأمر كاملًا، لذلك أشاحت بيدها في الهواء صائحة: أومال إيه الكلام اللي مدثر بيقوله دا!
 
 أجابها بسباب يخصه: دا عيل حقير ملكيش دعوة بيه.
 اقترب منها ببطئ، ثم انتشل منها السكين على بغتةً، فقرًَب وجهه منها قائلًا بهيام: بقى حد يكون معاه الفراولة كلها ويبص للسردين!
 نفخت «لوچي» بغيظ، ثم دلفت إلى غرفتها مُغلقة الباب خلفها، وهي تقول بحسرة: منك لله يا مدثر، تعالى اتعلم من بابا يكش تحس على دمك.
 
 يا محمود ما تجيب بوسة بقى الله!
 هتفت «ميران» بتلك الكلمات بضجر مُوجهة حديثها لزوجها الذي يجلس بعيدًا عنها على الأريكة المقابلة، هزَّ «محمود» رأسه بلا وهو يُحدجها بضجر من طرف عيناه، ثم أردف بغيظ: لأ، عشان تبقي تتصرفي بمزاجك وتخرجي من غير إذني بعد كدا.
 
 جعدت وجهها بضيق ثم اقتربت منه حتى جلست جانبه مُباشرةً: طيب عشان خاطري متزعلش مني، وبعدين دا أنا كنت بزور مريض، وزيارة المريض واجب.
 أشاح بيده وهو يُجيبها: بلا واجب بلا بتاع، واللهِ حتى لو بتزوري أمك تقوليلي.
 وضعت يدها على كفه المُجعد قليلًا، قائلة بإلحاح: حاضر والله هقولك بعد كدا، بس خلاص متزعلش.
 
 حاول أن يظل على موقفه؛ لكن أمام نظراتها المُترجية انهزم، أحاط بها فوضعت رأسها على كتفه قائلة بحب: بحبك يا حودة.
 قبَّل جبينها بعشق: وحودة بيموت في قلبه.
 رفعت رأسها له وعادت نظرات المكر والخبث تُحيطان بعينها: طيب البيت فاضي ها ولا مش واخد بالك!
 كتم ضحكته بصعوبة شديدة، ثم تصنَّع الجهل: أيوا يعني إيه مش فاهم!
 
 اقتربت منه رويدًا حتى قالت بهمس: يعني استغل الموقف يا حودة بقى، عايزين نجيب أخ ل«سليمان» بدل ما هو وحداني كدا.
 اقترب منها، وما كاد أن يُجيبها؛ حتى استمع إلى صوت رنين هاتفه، تأففت هي بضيق ثم أردفت بسخط: هو دا وقته!
 ضحك عاليًا ثم حاول التحكم بذاته، وبعد أن نجح في ذلك؛ أجاب على الهاتف بصوت هادئ رزين: السلام عليكم.
 وعليكم السلام، كنت عايز أبلَّغ حضرتك إن ابنك في المستشفى.
 
 انتفضت من مكانه متحدثًا بهلع بعد أن دفع «ميران» بعيدًا: سليمان! إيه اللي حصله! ومستشفى إيه اللي هو فيها!
 ابني.
 كلمة خرجت من فم «ميران» المزعورة بعدما استمعت لحديث زوجها الأخير.
 أغلق «محمود» الهاتف بعدما أملى عليه الآخر اسم المشفى المُحتجز بها «سليمان»، ثم دلف لغرفته و«ميران» خلفه تسأله بجزع: إيه اللي حصل يا محمود! سليمان ماله!
 
 أجابه بتيهة أثناء إتجاهه إلى خزانته ليُخرج منها ثيابه التي بدأ في إرتدائها سريعًا: معرفش يا ميران معرفش، أما أنتِ لو تتقي الله وتبطلي قلة أدبك دي! ربنا هيباركلنا في حياتنا وكتاب الله.
 لم تجد الوقت لإجابته، بل اتجهت نحو ثيابها ترتدي عبائتها وحجابها سريعًا، حدجها «محمود» بسخط وهو يُكمل إرتداء ثيابه: أنتِ راحة فين!
 أجابته بتنعت وإصرار: راحة لإبني، ما هو مش ابن البطة السودة.
 
 أغمض عينه لكي يتحكم في إنفعالاته، ثم أنهى إرتداء ملابسه، وهي كذلك، تاركين المنزل مُتجهين إلى المشفى القابع بها ابنهم.
 
 قلبه يتآكل ألمًا مما ألقته على مسامعه، تُريد الإبتعاد وهو العاشق لها منذ صغرها، ألقت عليه حاجز يُبعد بينه وبين الجنس الآخر فأصبح لا يرى سواها، عشقها أرهقه، وحديثها أنهكه، وبالنهاية تُريد الطلاق، وهو مَن كان يتوقَ لزفافهم الذي سيُقام بعد أسبوعان من الآن، يشعر بجدران الغرفة تكاد أن تطبق على أنفاسه، رئتيه تُريد الهواء، يُريد أن يتنفس، ولن يحدث ذلك إلا أن تعود له.
 
 تذكر حديثهم الدائر منذ سويعات قليلة عندما ذهب ليلتقيها، وبعد محاولات كثيرة لمعرفة ما بها، ألقت على مسامعه جُملة جعلته يُقسم بأنه سمع صوت تفتت فؤاده: عُدي أنا مش عايزة أكمل.
 فتح «عدي» أول ثلاثة أزرار من قميصه الأسود ليلتقط أنفاسه، ورغم أنه قادم من عندها منذ دقائق، إلا أنه قرر الذهاب إليها مرةً أخرى لمعرفة السبب خلف قرارها ذلك.
 
 خرج من المنزل سريعًا وصعد عدة درجات للأعلى قاصدًا منزلها، لكنه توقف عندما رأها تهبط الدرجات بتعابير وجه منكمشة، توقفت عندما وجدته أمامها، ثم استرسلت هبوطها تحاول تجاهله، مرت من جانبه في نية لتركه، لكنها توقفت عندما أمسك بمعصمها جاذبًا إياها حتى أصبحوا يقفون أمام باحة منزله هو.
 أفلتت «منار» معصمها من يده بقوة، ثم تحدثت بحدة: أنت عايز مني ليه! مش قولنا كل اللي بينا انتهى وهتطلقني!
 
 ضرب على الحائط من خلفها جاززًا على أسنانه وهو يُمسك بها من ذراعها بعنف: أنتِ اللي قولتي، أنا مقولتش حاجة، وطلاق مش هطلق، وحالًا عايز أعرف السبب ورا القرار المتخلف دا، وبعدين راحة فين من غير ما تقوليلي!
 سحبت يدها بعنف من بين قبضته، ثم أشارت بسبابتها أمام وجهه مُردفة بصراخ: ملكش دعوة بيا، وآخر مرة تفرض نفسك عليا تاني أنت سامع!
 
 خطَّت عدة خطوات تنوي تركه والذهاب، لكنه لم يسمح لها بذلك، بل دفعها للخلف ليصتدم ظهرها بالحائط العريض من خلفها بقوة آلامتها، مُتحدثًا بقوة وأعُين تطلق شررًا: لو الهانم ناسية إنها مراتي فأنا أحب أفكرها بدا، واللي بقوله هيتسمع من غير نقاش، مفهوم!
 دفعته بغل قبل أن تنطق بكُره ظاهر: طلقني.
 
 ولثاني مرة ترميها أمام وجهه دون ذرة رحمة أو شفقة، لم تنظر إلى قلبه المتألم بعشقها، ضاربة بكل تلك السنوات التي قضوها معًا بعرض الحائط، عاد للخلف عدة خطوات وهي لا تفعل شئ سوى متابعته فقط، تُقسم بأنها فؤادها يؤلمها أضعافًا مُضاعفةً عنه، لكن لا توجد سوى تلك الطريقة.
 
 أومأ لها بهزات خفيفة من رأسه، ثم تحدث بجمود رغم ذلك الألم الذي أحاط بعينه: هطلقك يا منار، هطلقك وهدوس على قلبي وقلبك، هتجوز وهشوف حياتي، بس بعيد عنك، ورقتك خلال يومين هتكون عندك، ومن هنا وجاي أنتِ بنت عمي وبس.
 في تلك الأثناء. فتح فارس باب المنزل والذي استمع إلى الحديث بأكمله لكنه لم يود التدخل من البداية، لكن الآن الأمر مختلف تمامًا، فمن المؤكد بأنهم سينهون كل شئ بغبائهم هذا، لذا عليه التصرف.
 
 كانت دموع «منار» تهبط دون هوادة عندما استمعت لحديثه الأخير، ظنت بأنها ستسطيع التحمل والتجاوز، لكن مجرد الحديث انهارت وباتت على مشارف الإنهيار، اتجه إليها «فارس» ثم أخذها في أحضانه مُربتًا على ظهرها: اهدي يا حبيبتي وبطلي عياط، أنا مش عارف أنتِ كنتِ مستحملاه طول الفترة اللي فاتت دي إزاي! أنا أبوه أهو ومش طايقه.
 
 حاول بحديثه المُمازح أن يضحكها، مما أغاظ «عدي» كثيرًا وجعله يقول بحنق: يا بابا أنت بتقول إيه!
 نهره «فارس» بجدية وغضب: اخرس يا حيوان وغور من وشي دلوقتي، بقى حد يزعَّل البسكوتة دي! لأ وتخليها تعيط كمان! دا أنت كائن معندكش دم.
 كز «عدي» على أسنانه بغضب، ثم ذهب من أمامهم والنار تشتعل في كل جزء بجسده، لم يُحبذ أن تنتهي الأمور هكذا، لكنها استنزفته بكل ذرة فيه.
 
 بعد ذهابه، أخرج «فارس» تلك الباكية من أحضانه، ثم مسح دموعها من على وجهها، جاذبًا إياها من يدها للداخل لكي يتحدث معها: تعالي يا بسكوتة نتكلم شوية.
 أطاعته ودلفت معه للداخل ولم تتحدث، جلست على المقعد المقابل له، ورغمًا عنها التقطت عيناها صورته الموضوعة على الطاولة من جانبها، وسيمًا بدرجة أرهقت قلبها، رغم أنه يظهر للآخرون كشخص عادي، لكن المُحِب يرى الحبيب بقلبه هو.
 
 سحب «فارس» نفسًا عميقًا قبل أن يزفره على مهل، وبعدها نظر إليها مُطولًا قبل أن يتحدث بهدوء: طبعًا أنا مش هقولك ليه عملتي كدا ولا ليه عايظة تطلقي من عدي، عدي قبل ما يكون ابني فأنتِ كمان بنتي وحِتة من قلبي، زيك زي لوچي بالظبط، اللي يجي عليها كأنه بيجي عليا بالظبط، ولو عُدي زعلك أو عمل حاجة ضايقتك؛ خليكِ متأكدة إني هقف في ضهرك وهخليه يطلقك غصب عنه، لكن قبل دا كله عايز أقولك إنه بيموت فيكِ، ومش عشان ابني بقول كدا لأ، بس أنا فاهمه أكتر من نفسه، وعارف إنك أغلى حاجة في حياته، أنا مش عايز نهايتكم تبقى كدا، مش عايز حد فيكم يتحرق بنار الحب، ليه عايزة تبعدي وتطلقي!
 
 تشكلت طبقة كثيفة من الدموع داخل مقلتيها، ولم تجد حلًا سوى إخباره، ارتعشت شفتيها ببكاء ثم بدأت بالحديث: أنا. أنا مش عايزة أظلمه معايا.
 قطب جبينه وهو يسألها بإستفهام: تظلميه في إيه بالظبط!
 أجابته بتردد: أنا. أنا لا إنجابية يا عمو.
 رد عليها ببلاهة شديدة وهو يقول: بتتكاثري لوحدك ولا إيه مش فاهم!
 أعادت تكرير جملتها على مسامعه وهي تُصحح له: لا إنجابية.
 
 خشى ما إن كان ما يُفكر به صحيحًا، لذلك رد بحماقة أشد: لا إرادية!
 يا عمو لا إنجابية.
 قالتها بنفاذ صبر، فأجابها بتخوف وكأنه ينفي لذاته ذلك المغزى من الحديث: فول وطعمية!
 يوه، لا إنجابية يا عمو يعني أنا مش بخلَّف.
 
 صمت «فارس» وصمتت هي، تُتابع تعابير وجهه التي لم تتغير، تعلم كُل ما يدور برأسه، فهو في النهاية أب ويحتاج إلى أحفاد، أنزلت وجهها تُخفي دموعها التي تشكلت مرة أخرى، شعرت بيده تمتد لوجهها لترفعه، ثم استمعت لحديثه الحنون: عرفتي منين!
 
 أجابته بتردد وخجل: عملت تحاليل ولما جبتها الدكتور قالتلي إني مش هعرف أخلف، مصدقتهاش ورُوحت عملت تحليل واتنين وتلاتة عند كذا دكتور وفي الآخر بتكون نفس النتيجة ونفس الكلام، وهي إني مش هخلف.
 انهت حديثها وهي تشهق ببكاء مرير مُردفة بحشرجة: عُدي يستاهل الأحسن يا عمو، أنا مش عايزة أظلمه معايا، أنا...
 
 قاطعها بهدوء: لازم تقولي لعدي عن كل حاجة، وهو وقتها اللي يقرر لو عايز يفضل معاكِ ولا لأ، وخليكِ متأكدة وواثقة من نفسك، متكونيش ضعيفة، أي بلاء ربنا بيبتلينا بيه بيكون إختبار لينا في الدنيا، والدنيا فانية، عيشي حياتك وعيشي سِنك واعملي اللي عليكِ وسيبي الباقي على ربنا.
 
 هل تعلمون تلك الطمأنينة التي تهبط على الفؤاد فجأة عند الإستماع لما يسلب منك تلك الطاقة السلبية التي تكمن في صدرك! شعرت بها هي بعد إنتهائه من حديثه، اقتربت منه مُرددة له بإمتنان: شكرًا يا عمو، شكرًا بجد.
 قبَّلها من جبينها بحنان، ثم أردف بمزاح: يلا امسحي دموعك وروحي شوفي الواد الحيلة اللي طفشتيه راح فين.
 
 ضحكت بخفة وهي تمسح دموعها، ثم خرجت من المنزل هابطة للأسفل تجول ببصرها في الأنحاء في نية لإيجاده، ستُخبره بكل شئ اليوم، وهو سيُقرر.
 
 آه ياني يا مراري. يا دماغي ياما. آه منك لله يا ابن الوارمة. اللهي تتشك في جنابك يا بعيد. اللهي يجيلك حصبة في زورك. اللهي يجيلك شلل في مناخيرك. آه الدنيا بتلف برجلي يا ناس.
 
 صعدت تلك الكلمات المُولولة من فم «سليمان» الذي قاموا بتقطيب رأسه نتيجة لذلك العِراك الذي حدث بينه وبين ذلك الرجل عديم الرحمة والإنسانية! والمُمرضة تُحدجه بسخط نتيجة لذلك الصداع الذي سببه لها منذ أكثر من ساعة كاملة، ساعة وهو يُولول كالنساء!
 
 دخل كُلًا من «محمود وميران» اللذان جاءا للتو، ومعهم جاء «موسى» الذي رآهم يدلفون للمشفى وعلم منهم ما حدث فقرر مرافقتهم، هرولت له «ميران» التي تحدثت بفزع: سليمان يا حبيبي مالك!
 وضع يده على رأسه ثم أردف بتحسر: شوفتي اللي جرالي ياما! شوفتي اللي حصلي ياختي!
 جاورته «ميران» جالسة على الفراش وهي تكادُ تبكي: عملوا فيك إيه يا عين أمك!
 
 ضربوني ياختي، ضربوني ومحدش سمَّى عليا، استغلوا وحد