logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتديات ميكس آر تي | Mixrt، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .


  1. منتديات ميكس آر تي | Mixrt
  2. 📖 عالم الإبداع الأدبي | Literary Creativity
  3. 📚 القصص والخواطر | Stories & Short Tales
  4. رواية 🎭 حين يتحوّل العشق إلى معركة 🤣 حب يجرح.. ونعال يطير: يوميات أسرة خارج السيطرة



21-09-2025 06:09 مساءً

  في هذا البيت الغريب 🏠⚡، العشق مش مجرد إحساس هادي ولطيف 💞، لأ.. دا معركة حقيقية بين قلوب مشاعلها نار 🔥، وعقول دايمًا بتفكر ترد وتنتقم 😏.
هنا.. كلمة "بحبك" ممكن تتحول في ثانية لـ "طلقني" 💔، وضحكة صغيرة تتحول لعركة كبيرة يطير فيها النعل يمين وشمال 👡💨.
وسط الفوضى، الغيرة، والرغبة في السيطرة.. تكتشف العيلة دي إن الحب ساعات مش بيهزم بالعقل، ولا حتى بالقلب، لكن بالردح، والضحك، وأحيانًا بالصمت اللي يوجع أكتر من أي كلمة 🎭🤣. 

mixrt_11

ضوضاء كبيرة وكارثة موجودة بتلك الغرفة الكبيرة نسبيًا، دلفت غزل بعدما طرقت الباب عِدة طرقات خفيفة ولم تجد جواب بالنهاية، تصنمت محلها عندما رأت مظهر الغرفة المُنقلب رأسًا على عقب، وعلى الفراش الموجود بمنتصف الغرفة، تقبع تلك الفتاة التي تحمل من ملامحها الكثير.
اشتعلت من مظهر الغرفة، ولم تتردد لثانية واحدة بأن تخلع نعلها وتقذفه على تلك الحمقاء التي تسببت بكل تلك الفوضى.

انتفضت منار من نومنتها بفزع، عندما شعرت بذلك الشئ يصتدم بظهرها، نظرت حولها بتيهة وبشئ من البلاهة وعدم الإدراك تسائلت وهي تُمسك به: إيه دا؟
جاءها صوت غزل من خلفها صارخة بها بغيظ: دا الشبب اللي هينزل بيزغرط فوق دماغك يا عين أمك.
صمتت قليلًا تأخذ أنفاسها، ثم أشارت للغرفة المُتسخة بكل ركنٍ بها: بقى دي منظر أوضة يا معفنة! دي لو زريبة كانت هتبقى أنضف من كدا.

اعتدلت منار محلها مُتثائبة بكسل: مالك بس يا حبيبتي زعلانة ليه! وبعدين يا ستي لو على الأوضة عفاف الشغالة هتيجي تنضفها.
اقتربت منها غزل قليلًا ثم سألتها بإبتسامة مُريبة: ألاه هو أنا مقولتلكيش!
حدقت بها بقلق، مُبتلعة ريقها وهي تسألها بريبة: لأ مقولتليش.
أكملت غزل حديثها بتعابير وجه شامتة: مش عفاف مشيت ومش هتيجي تاني، قِرفت منك ومن أخوكِ المعفن وخدت إجازة ذهاب بلا عودة، والكلام دا بقى معناه إيه؟

ورغم علمها بإجابتها؛ إلا إنها تسائلت وهي تدعو بأن تُخيِّب ظنها: معناه إيه!
صفقت غزل بيدها مُجيبة إياها بإبتسامة واسعة: معناه إنك هتنضفي أوضتك وتساعديني في الغسيل والمسيح والنشير والطبيخ يا عين أمك.
وما كادت أن تعترض حتى قاطعتها بتحذير وقوة: وخمس دقايق بالظبط أدخل ألاقيكِ منضفة الأوضة، وإلا قسمًا عظمًا هخلي شعرك دا شرشوبة وهمسح بيه البلاط، يلا يا بت بلاش دلع.

قالت جملتها ثم تركتها وخرجت من الغرفة بأكملها، تاركة إياها تشد على خصلاتها بغيظ من أفعال والدتها.
اتجهت غزل ناحية غرفة مدثر لتُيقظه هو الآخر، وما كادت أن تفعل؛ حتى استمعت إلى حديثه المُغازل الذي وصل إلى مسامعها: وأخيرًا يا بت هتبقي مراتي وهعمل اللي أنا عايزه، ه...

لم يكد أن يُكمل باقي حديثه حتى دلفت غزل بملامح مكفهرة، قبل أن تتحدث بإستنكار: لأ والواد محترم أوي ومعملش اللي هو عايزه، إيش حال يا ولا ما كنت بقفشك أنت وهي تحت السلم!
اعتدل مدثر الذي كان يستند بظهره على الفراش، فتحدث بغيظ وما زال يضع الهاتف على أذنه: إيه يا ماما! ما تسبيني أقول للبت كلمتين حلوين.

اقتربت منه حتى باتت تقف أمام فراشه مباشرةً، ثم انتشلت الهاتف من بين يديه واضعة إياه على أذنها، متحدثة بحنق: بت يا لوچي احنا لسه فيها، الواد دا سافل وقليل الأدب وعينه زايغة، إهربي يا عين أمك من خلقته دي، ومتنسيش إنه كان بيخونك مع حور.
جاءها صوت لوچي المتذمر والتي هبت من مكانها بغضب: ما خلاص يا زوزا بقى، أنتِ لازم تفكريني بعملته المهببة يعني.

صرخ مدثر بغيظ بعدما انتشل الهاتف من يدها، ثم فتح مكبر الصوت به: يا حبيبتي والله ما خونتك، أنتِ عارفة إن حور بتحبني، أنا مليش ذنب.
تلك المرة ردت عليه غزل بصوت عالي حتى تستمع إليه الأخرى: كداب يا منافق، أنتَ طول عمرك قليل الأدب أصلًا، وأكيد كنت بتجر ناعم معاها.

كاد أن يُجيبها، لكن قاطعته لوچي التي هتفت بغضب: معاكِ حق، أكيد هو جَر ناعم معاها، أنا مش عايزة أكمل معاك يا مدثر، وخلي حور تنفعك، ومن غير سلام.
قالت كلماتها ثم أغلقت الهاتف بوجهه وهي تشعر بالحنق منه ومن إبنة عمها حور، هبَّ مدثر من على الفراش صارخًا بعلو صوته: يا بابا، تعالى شوف مراتك يا عم الحج أنا مش ناقص.

خلعت غزل نعلها من قدمها للمرة الثانية، ثم ضربته به على ذراعه بقوة، هاتفة به بصراخ: مش ناقص إيه يا قليل الأدب يا عديم الرباية أنت! ما أنتَ ابن ريان هقولك إيه يعني!
في تلك الأثناء أتى ريان وهو يرقص على أحد الأغاني الأجنبية الذي أصبح يستمع إليها في الآونة الأخيرة، أطلق مدثر صفيرًا يُشجع والده، ثم أنهى عبثه بحديثه الوقح مُتناسيًا غضبه وسبب ندائه له: شكلك رايق وفايق يا والدي، بركاتك يا غزل.

حدجته غزل بنظرات نارية ثم صرخت بهم بصوت أفزعهم: يعني مش كفاية عليا الراجل سافل! لأ وابنه كمان قليل الأدب ومترباش! أطفش وأسيبلكم البيت! أشد في شعوري يا ناس!
أغلق ريان الأغاني ثم حدق بها لوهلة، قبل أن يقول بقلق: ولما أنتِ تمشي مين اللي هيعملي المكرونة اللي بحبها!

ثانية. ثانيتان. والصمت يعم المكان، لم تتحدث ولو ببنت شفة، بل تُحدجه بنظرات حارقة، ذهب مدثر إلى والده ليقف بجانبه، ثم مال عليه يهمس بخوف: عجبك كدا! دلوقتي هتنكد علينا طول اليوم ومش هتعملنا أكل.
نظر له ريان بطرف عينه، ثم ابتلع ريقه بقلق، مُجيبًا إياه: تفتكر!

ارتسمت الحسرة على وجه مدثر، ثم هزَّ له رأسه بخفة عدة مرات يُؤكد على حديثه، عاد ريان بنظره إلى زوجته الصامتة، لم تتحدث، بل فقط تُتابعهم بنظرات جامدة، قرر إصلاح ما فعله بقوله الأحمق، لذلك اقترب منها حتى وقف قبالتها مُحيطًا بكتفيها: غزالتي أنتِ طبعًا عارفة إني بهزر صح!

دفعت يده بحدة فعاد ليقف بجانب ابنه مرة الأخرى، فأصبحا الإثنان يقفان أمامها كالأطفال المُذنبة، وهي تُعنفهم: بلا غزالتي بلا زفت، واسمعوا بقا انتوا الإتنين، أكل مش عاملة، ترويق مش مروقة، غسيل مش غاسلة، مسيح مش ماسحة، وابقوا اخبطوا دماغكم في الحيطة انتوا الإتنين، أنا راحة عند أمي.
أنهت حديثها ثم تركتهم ينظرون لبعضهم بتحسر، ليخرج صوت ريان الحزين: يعني كدا مش هناكل مكرونة النهاردة!

وبس يا بابا، هو قالي نتعرف من هنا، روحت ردحاله ومفرجة عليه الجامعة كلها، وأنا عشان طيبة وبنت ناس ومتربية، معملتش حاجة تاني.
أنهت «رهف» حديثها وهي تشرح لوالدها «معتصم» ما حدث من شجار مع صديق اقترح عليها فقط أن يقوم بالتعرف عليها.
صفق لها «معتصم» بفخر، ثم التقطها في أحضانه مُهللًا: أنتِ حبيبة أبوكِ، بس بلاش حوار إنك طيبة ومتربية دا، أنا أصلًا معرفتش أربي.

تجعد وجه «رهف» بضيق، فجاء صوت «جميلة» توأمتها المُتحدث بضجر: يا بابا بقولك فرجت علينا الجامعة كلها، الواد قالها نتعرف بس يا مؤمن مقالش حاجة تاني، وألاقي ماسورة شتايم انفجرت من بُوقها، ما كان ممكن تقوله لأ وتمشي وخلاص، لأ لازم تعمل فيها صعبة المنال.
عقبت «سجود» تلك المرة مُحدجة إبنتها بضيق: معاكِ حق واللهِ، ملهاش لازمة الهيصة اللي أنتِ عملتيها دي كلها.

أكدت عليها «جميلة» بثقة: بالظبط يا ماما.
لتصدمها «سجود» بإكمالها لحديثها: كنتِ إلطشيه قلم يعرفه مقامه المعفن دا، يعني إيه يتعرف عليكِ! هي سايبة ولا سايبة!
فتحت «جميلة» عيناها بصدمة، ثم نظرت لوالدها علّه يعترض على حديثها، لكنه لم يفعل شئ سوى تأييده لها، بل ومغازلته لها أمامهم: مراتي حبيبتي بتقول حِكَم واللهِ، أنا متجوز جوهرة وعهد الله.

خجلت «سجود» وأطرقت برأسها للأسفل تهرب من نظراته المُحدقة بها، لتُتمتم بحرج: الله يسترك.
تشنج وجه «معتصم» من إجابتها البلهاء تلك، بينما كتمت التوأمتان ضحكاتهما بصعوبة على ملامح والدهم المُضحكة، أشارت «رهف» ل«جميلة» للذهاب لكنها لم تفقه تلميحها، أشارت لها «رهف» مرة أخرى، لتعقد «جميلة» حاجبيها بغباء لا تدري ماذا تريد.

لاحظ «معتصم» النظرات بين ابنتيه، وبالتأكيد تفهم موقف «رهف» ومغزى إشاراتها، لذلك نظر إلى «جميلة» بسخط مُرددًا: قصدها تقول للبعيدة تقوم وتسيب أبوها وأمها لوحدهم يا جِبلة.
انحلت عقدة حاجبيها ثم رفعتهم قائلة بإستنكار: في إيه يا بابا، هو أنت كل ما تلاقينا قاعدين بتبقى عايز تطرقنا، يا جدع اعمل حساب لسنك.

هبَّ «معتصم» من مكانه، واشتدت عيناه غضبًا من حديثها، ثم لوَّح في وجهها بنفور: وماله سني إن شاء الله يا بنت سجود! لأ يا حبيبتي دا أنا لسه شباب وبكامل قوتي وأناقتي، وكلمة كمان هتلاقيني بضهر إيدي وعلى وشك أوقعلك صف سنانك كلها.
أنهى حديثه وصدره يعلو ويهبط بإنهاك وتعب، ثم تمتم بمظهر مُثير للضحك: قالي سِني قال.

جذبته «سجود» تُربت موضع قلبه، وهي تُحاول قدر الإمكان السيطرة على ضحكاتها، ثم أردفت بخفوت: إهدى يا معتصم، صحتك ياخويا.
غضب مرة أخرى عند تذكيره، فكم يكره ذلك بحق، لا يعلم كيف مرَّ عشرون عامًا من حياته، وأصبح رجل أربعيني يغزو الشيب معظم رأسه، ورغم حفاظه على وسامته والتي خفتت قليلًا، إلا أنه يشعر بالحنق من ذلك.

حدق بهم بسخط جميعًا، ثم هبَّ من مكانه مُغادرًا، ليدلف إلى غرفته التي أغلق بابها بحدة تعكس مدي غضبه.
نظرت «سجود» لأثره بإبتسامة عاشقة، تعشقه رغم غضبه وضيقه، لقد وقعت به منذ زمن ولم يقل حبه في قلبها، بل يتزايد تدريجيًا رغمًا عنها، عادت لتنظر إلى ابنتها «جميلة»، ثم أردفت بعتاب: عاجبك كدا يا ست زفتة! أهو أبوكِ اتقمص، وقدامه سنة على ما يتصالح بقى.

هما اتلموا عليا من هنا، مسكتهم كلهم بإيد واحدة ونزلت طحن فيهم من غير ذَرة رحمة ولا شفقة.
صعدت تلك الكلمات من فم «إسحاق» المُمدد على فراش المشفى، ووجهه ملئ بالكدمات ويده قدمه مُلتفين بجبيرة كبيرة بطول ذراعه وقدمه.
وضع «موسى» يده على جروح وجهه يضغط عليها بقوة، ثم تحدث بسخرية: لأ واضح فعلًا إنك قطعتهم، ما شاء الله عليك، أنا مخلف راجل.

صرخ «إسحاق» بألم من لمس والده لوجهه الملئ بالكدمات التي لم تُشفى بعد، ثم أردف بحنق: آاه يا بابا وشي.
جاورته من الناحية الأخرى «تسبيح» التي أتت للتو ومعها إبنتها «مي» التي تحمل بعض العصائر والوجبات لشقيقها، مسدت «تسبيح» على ذراعه بحنو، ثم قالت موجهة حديثها ل«موسى» بعتاب: حرام عليك يا موسى هو فيه نَفَس!

رد عليها «إسحاق» مؤكدًا: قوليله يا ماما، القاسي مش حاسس بيا، توقعي مش مصدق إن أنا ضربت شوية الأوباش دول!
لوت «مي» شفتيها بإستنكار، مُكررة فعلة والدها معه: مصدقينك يا ضنايا متحلفش بس.
وللمرة الثانية يصرخ بألم شديد، تبعه صياحه المُهلل بها: قطع إيدك يا قذرة يا عديمة المشاعر والأحاسيس.

سدد له «موسى» نظرة نارية، ثم نكزه في جانبه بخفة: صوتك ميعلاش على أختك ياض بدل ما أقوم أكمل على خلقتك اللي مش باينة دي.
ثم نظر ل«مي» التي تُحدق شقيقها بشماتة: تعالي جنبي يا حبيبة أبوكِ وسيبك منه.
جلست «مي» جانب والدها، ليُحيط بها من كتفها ناظرًا ل«إسحاق» بتحذير: لو بصيت لأختك بصة مش عجباني هخذقلك عنيك دي.

سعدت «مي» من حديثه، لذلك قبلته بحب على وجنته مُردفة بحب: حبيب قلبي واللي ليا أقسم بالله، ياما نفسي أتجوز واحد عسل وحليوة زيك كدا.
أشار «إسحاق» ناحيتها بإتهام، موجهًا حديثه لوالدته: شايفة! شايفة معاملته ليا! يا ستي الله يكرمك لو لقيتوني على باب جامع قولولي، على الأقل أروح أدوَّر على أهلي الحقيقين.

حدق به «موسى» بإشمئزاز، ثم أردف بجدية زائفة: اتوكس، وأنتَ مين يطيقك يا وش الفقر أنت! احنا لو علينا نتبرى منك ونخلص بدل ما كل يوم والتاني تيجي لينا مضروب كدا.
أوقفه بإحتجاج مُدافعًا عن ذاته: لأ عندك يا والدي، دي كلها شوية كدمات، أنتَ لو شوفتهم هيصعبوا عليك من ضربي فيهم.
ربتت «تسبيح» على كتفه بإستنكار: واللهِ أنت اللي صعبان علينا يا حبيبي، خليك في خيبتك.

انكمش وجهه بضيق، بينما انفجر كُلًا من «موسى ومي» ضاحكين على تعابير وجهه المُستنكرة، وبعد قليل شاركهم في الضحك على بلاهته، وداخله يتوعد لهؤلاء الأوغاد الذين أخذوه غدرًا.

أنهت «منار» تنظيف غرفتها بعد عناء طويل، أنهكها التعب؛ لكن مظهر الغرفة النظيف جعلها تشعر بالإنتصار، وكأنها فازت في حربٍ ما للتو، بالطبع ستسعد والدتها بهذا الإنحاز العظيم الذي حققته.
فزعت عندما وجدت باب الغرفة يُفتح على مصرعيه، تلاه دخول شقيقها «مدثر» الذي يصرخ عاليًا غير عابئًا بالجميع: شايفة أمك وعمايلها! طفشت وسابت البيت ومعملتش لينا الأكل.

فتحت عيناها على مصرعيها بصدمة، ثم ضربت على صدغها بعدم تصديق: يالهوي! معملتش أكل! إيه الأم دي!
دار «مدثر» حول ذاته يُفكر بما سيأكله، إلا أن توقف فجأة عندما أتى برأسه الحل: لقيتها، أنتِ اللي هتعمليلنا الأكل.
شهقت «منار» بردح هاتفة بصوت عالي: نعم! أنت هتهزر يا خويا! أنا مش بعرف أسلق بيضة حتى.
أمسكها من ثيابها من الخلف يهزها بقوة: أنتِ بتعلي صوتك على مين يابت أنتِ!






وفي ثانية واحدة تبخرت قوتها الواهية، رسمت إبتسامة بلهاء على ثغرها، ثم أجابته بتلعثم: إيه دا هو أنا كنت بزعق فيك أنت! يقطعني.
قرَّب وجهه من أذنها يهمس لها بشر: ما هو هيقطعك فعلًا، بس هقطع لسانك الطويل دا.
لوت شفتيها ثم ردت بإمتعاض: يا مدثر سيبني بقى الله! يا أخي ورايا جامعة وهتأخر.

تركها مُحدجًا إياها بقرف، ثم غادر من الغرفة تمامًا ورحل ليبدأ رحلة البحث عن الطعام، وهُنا أتى في خاطره فكرة خبيثة نوى فعلها.
بعد مغادرة «مدثر» مباشرةً، صدح هاتف «منار» يعلن عن قدوم مكالمة، أمسكته بيدها ثم تجعد وجهها بإستنكار، لتُغلقه ولم تُجيب عليه.

اتجهت ناحية الخزانة وأخرجت منها ثيابها الواسعة المحتشمة منها ثم وضعتهو على الفراش، وما كادت أن تُبدِّل ملابسها حتى صدح رنين الهاتف مرة اخرى.
نفخت بنفاذ صبر، ثم انتشلته بحدة مُجيبة على المتصل بغضب: عايز إيه يا «عُدي»! نازل رَن ليه من الصبح!

جاءها صوت «عدي» الغاضب يصرخ بها: أنا عايز أعرف أنتِ مبترديش على تليفونك من إمبارح ليه! اعملي حساب للحيوان اللي دايخ وراكِ على الأقل، دا لو بكلم في جماد كان حَس يا شيخة!
استمعت لكلماته بألم، وتشكلت طبقة رقيقة من الدموع داخلهما، سيطرت على ذاتها ثم أجابته بصوت جعلته ثابت نسبيًا: عايز إيه يا عدي!

أجابها بهياج من إجابتها والتي ظنها باردة: عايز أعرف الهانم مالها! إيه اللي غيرك من ناحيتي يا منار! فرحنا بعد اسبوعين وأنا وأنتِ كنا مبسوطين، إيه اللي حصل عايز أفهم!
سحبت نفسًا عميقًا، ورغمًا عنها انسلتت دمعة مليئة بالحرقة على وجنتها، مسحتها سريعًا ثم أجابته بثبات زائف: كل الحكاية إني مبقتش عايزة أكمل، مش مرتاحة معاك يا عدي، ارتحت كدا!

انتظرت إجابته ثانية وثانيتان لكن لا يوجد رد، حتى ظنته قد أغلق الهاتف بوجهها، لكن صوت أنفاسه الغاضبة وصوته الذي صرخ بسبة بذيئة أكدت عكس ذلك، ارتجف جسدها من غضبه، وارتعشت كل ذَرة بكيانها خائفة من ردة فعله، كادت أن تتحدث لكنه أغلق تلك المرة بوجهها بالفعل.

نظرت للهاتف بتحسر، ثم انفجرت باكية بعدها، لا تعلم ما عليها فعله، هناك شئ ما يؤرقها، لا تريد ظُلمه، تعشقه بكل كيانها، قلبه يصرخ بها لما فعلته، وعقلها يَحثُها على الإكمال، وستتبع صوت عقلها تلك المرة.

خرج «موسى» من المشفى متعجلًا عندما هاتفه «ريان» وطلب من القدوم لأمر هام لا يمكن تأجيله، لذلك أوقف سيارة أجرة ثم أملاه العنوان سريعًا، وداخله يدعو أن يكون الجميع بخير.

بينما هبطت كُلًا من «تسبيح ومي» للكافتيريا الخاصة بالمشفى لجلب الطعام والعصائر ل«إسحاق»، الذي طمأنهم الطبيب على حالته، وأخبرهم بأنه يُعاني فقط من بعض الكدمات في وجهه ليست بالخطيرة وكسر خفيف في ذراعه الأيمن، وإلتواء كاحله ليس أكثر ولا يوجد به أي كسور، لكن الممرضة تخبطت بين حالته وبين حالة مرض آخر أتى معه، وقامت بتجبير قدمه كاملةً، وكذلك ذراعه.

بعد ذهابهم؛ أخرج «إسحاق» هاتفه يُهاتف «مدثر»، والذي أجابه سريعًا بمزاح: الواطي ابن ال...
لو قليت أدبك هخلي وشك شوارع يابن «ريان».
حمحم «مدثر» بقلق ثم أجابه بجدية: عايز إيه ياض انجز مش فاضيلك ورايا أشغال.
لوى «إسحاق» ثغره بإستنكار مُجيبًا إياه: أشغال مين يا أبو أشغال! احنا هنصيع على بعض يا عاطل أنت!

نفخ «مدثر» بقلة صبر ثم صرخ به: ما تنجز يلا مش فاضيلك.
طيب طيب، المهم أنا في المستشفى وهتحجز فيها الليلة دي.
انخلع قلب «مدثر» خوفًا، ثم أجابه بهلع: يا مصيبتي! مستشفى إيه! بتموت! لأ يا إسحاق لأ، متعملش فيا كدا، متموتش قبل ما تجيب العشرة جنيه اللي عليك.

للحظة صدق «إسحاق» خوفه عليه، لكن بحديثه الأخير جعله يندم على مصادقته، لذلك أردف قبل أن يُغلق الهاتف بوجهه: بقولك إيه يا صاحب الندامة أنت، أنا مش عايز أعرفك تاني، جتك داهية في معرفتك.
نظر «مدثر» للهاتف بحاجب مرفوع قبل أن يتسائل بغباء يُشبه غباء والده: هو زِعل ولا إيه!
فكر قليلًا مع ذاته، ثم شهق بصدمة: يالهوي دا شكله زِعل بجد!

يقف بالصيدلية التي عمل بها مؤخرًا يُولي ظهره للأشخاص الواقفين ينتظرون دورهم، مدَّ يده ليسحب ذلك الدواء الموجود بالرف العُلوي، حتى نجح في ذلك.
أعطى الدواء للعجوز بإبتسامة بشوشة، ثم ودعه بود وإحترام تاركًا إياه يقف وحده، جلس سليمان بإنهاك على المقعد المُخصص له فاركًا رأسه بتعب، فاليوم كان العمل يفوق طاقته بكثير.

فتح عيناه عندما استمع لصوت تلك السيدة التي دلفت للتو، والتي تهتف بصوت عالي: مساء الخير يا ضاكتور.
وقف من مكانه ثم ذهب ليقف قبالتها، ويفصل بينهما ذلك الحائل الزجاجي الملئ بالأدوية، رسم إبتسامة عملية على ثغره مُجيبًا إياها: مساء الخير يا حَجة، أساعدك بإيه!

أخرجت عدة أوراق من حقيبة بلاستيكية سوداء رثة، ثم وضعتها أمامه على الحائل الزجاجي، قائلة له برجاء: والنبي يا ضاكتور خُد شوفلي التحاليل دي بتقول إيه، أصلي إمبارح رُحت كشفت والضاكتور قالي أعمل تحاليل، والنهاردة الخميس وهو مش موجود، فعشان كدا جيتلك تشوفلي عندي إيه وتطمني.

تمتم «سليمان» مع ذاته بجملة لا إله إلا الله لحلفانها بغير الله، ثم قال لها بعملية: مينفعش يا حَجة، لازم الدكتور نفسه هو اللي يشوف التحاليل دي عشان يكتبلك على علاج مناسب.
رسمت الحزن على معالم وجهها، ثم أردفت بنبرة جعلته يشعر بالشفقة تجاهها: يابني الله يكرمك طمني أنا قلبي واجعني.

شعر بالحزن تجاهها، لذلك أخذ منها الأوراق ونظر داخلهم لبضعة دقائق قليلة، ثم نظر لها بسعادة قائلًا بإرتياح: الحمد لله يا حَجة مفيش أي حاجة، التحاليل سليمة وزي الفل، هما بس شوية أملاح وأنيميا مع العلاج هيروحوا لحالهم.
انكمش وجهها بغضب، ثم دفعت له الأوراق مرة أخرى بحدة مُردفة بسخط: يا ضاكتور شوف بس يمكن فيه حاجة كدا ولا كدا وأنت مش واخد بالك.

قطب جبينه بتعجب، وللحق لقد اندهش كثيرًا من ردة فعلها، ظنها ستسعد لتلك الأخبار المُبهجة وأنها بكامل صحتها، لكنها عكست توقعاته، لذلك أعاد النظر في التحاليل الخاصة بها، ثم نظر لها مجددًا قائلًا: زي ما قولتلك يا حَجة التحاليل سليمة ومفي...

وما كاد أن يُكمل حديثه حتى قاطعته صارخة في وجهه: هو إيه اللي مفيهاش حاجة! دا أنا دافعة دم قلبي في التحاليل دي وفي الآخر تقولي مفيهاش حاجة! أنت أكيد مش بتفهم، أنا غلطانة أصلًا إني أسألك يا دكتور البهايم أنت.

قالت جملتها ثم تركته ينظر لأثرها مشدوهًا من ردة فعلها الحانقة والغاضبة بذاتِ الوقت، وما كاد أن يستوعب ما حدث ويعود لمحله، حتى أتي له طفل صغير يحمل غطاء لدهان ما، ثم أردف له بطفولية وهو يمد يده يحثه لإمساك ذلك الغطاء:
عمو. عمو. بتقولك ماما هات المرهم بتاع الغطا دا.
وهنا فقد أعصابه كاملةً، لذلك صرخ في وجهه دون أن يُراعي عُمر الطفل أو ابن مَن هو: غور من وشي، مش ناقصك يلا أنت وأمك.

نظر له الصبي لثوانٍ، ثم بدأ في البكاء بهستيريا وغادر يهرول للخارج، تاركًا إياه ينظر لأثره بندم، وللأسف لا يعلم ما ينتظره بعد قليل. 

بعد ذهاب ذلك الطفل من أمامه باكيًا، عنَّف «سليمان» ذاته بحدة وعتاب، فطفل كهذا لا يستحق ذلك التوبيخ الذي ناله منه، منذ متى وكان قاسيًا هكذا! سحب نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل، ومن داخله قرر الإعتذار لذلك الصغير عند رؤيته مجددًا.

لم تمر سوى خمس دقائق، وسمع صوت جلبة تأتي من الخارج، لم يهتم من البداية، خاصةً وأن تلك المناطق الشعبية يحدث فيها العديد والعديد من المشاحنات، وبالطبع لن يُدخل ذاته في ذلك.

أعلن هاتفه عن إتصال عندما صدح رنينه في الأرجاء، انتشله من على الطاولة العريضة، ثم ابتعد قليلًا عن مصدر الصوت الذي يقترب منه تدريجيًا لكنه لم يُعطي لذلك همًا، وجد إسم «مدثر» يُنير على شاشته، لذلك أجاب بهدوء: السلام عليكم.
أتاه صوت «مدثر» المازح: وعليكم السلام أخ سليمان، كيف حالك وحال أولادك وبناتك وأولاد خالاتك وعماتك ووالديك عزيزي.

تشنج وجه «سليمان» بإستنكار، ثم أجابه بسخط: ولاد مين! يابني أنت أهطل! انجز في يومك دا عايز إيه!
قطب «مدثر» جبينه بغضب، ثم نهره قائلًا: ولد! أنت مش عارف إني أكبر منك ب 7 سنين، يعني المفروض تحترمني وتقولي يا أونكل.

استنكر «سليمان» حديثه عن عمره، ف«مدثر» يبلغ من العمر الثامنة والعشرون، لكن أفعاله تُوحي بصغره وطفوليته، يشبه الأطفال. لكن ليس في البراءة، بل في الغباء.
تلك المرة تحدث «مدثر» بجدية طفيفة: المهم كنت عايز أقولك إن إسحاق في المستشفى، شكل العيال إياهم هما اللي عملوها ومش ناويين يجيبوها لبر، ف...

قاطعه «سليمان» وملامح الخوف تُسيطر على وجهه، عندما وجد الكثير من الرجال يقفون أمامه ومعهم ذلك الطفل، بل ويحملون في أيديهم عُصيّ كبيرة ستقضي عليه لا محالة إن هبطت على جسده: بقولك يا مدثر! احجزلي سرير جنب إسحاق الله يسترك، أصلي بحبه وناوي أقضي معاه اليوم.

قطب «مدثر» جبينه بتعجب، وكاد أن يسأل عن ماهية حديثه؛ فوجد الإتصال قد انقطع عنه، نظر للهاتف ببلاهة مُتمتمًا مع ذاته: أهبل دا ولا إيه!

هزَّ كتفه بلامبالاة واضعًا الهاتف بجيب بنطاله، ثم استعد للذهاب إلى «إسحاق» بالمشفى للإطمئنان عليه، لكن قبل أن يذهب إليه؛ سيتجه إلى منزل معشوقته ليراها، فلقد اشتاق لها حد اللعنة، وما زاد شوقه؛ هو عدم إجابتها على الهاتف بسبب كلمات «غزل» التي ألقتها على مسامعها.

البلهاء تظن بأنه يُحب أخرى، لا تعلم بأنها امتلكت قلبه منذ الصِغر، وكأنها ألقت عليه لعنة العشق ليُصبح أسيرًا لها، رمت عليه تعويذة خاصة بها، فأصبح سجين لهواها.
وعلى الجانب الآخر. ابتلع «سليمان» ريقه برعب عند رؤيته لهؤلاء الرجال، والذي يظهر الإجرام على ملامح وجوههم، هتف أحدهم بصوت غليظ ومخيف: أنت فين يا دكتور الندامة أنتَ!

حاول «سليمان» التحلي بالشجاعة، فخرج من تلك الزاوية الصغيرة الموجودة بالصيدلية، ثم أردف بصوت جعله ثابت بقدر الإمكان: أيوا يا فندم أقدر أساعد حضرتك في حاجة!
أتاه الجواب على هيئة ضربة أطاحت بلوح الزجاج المُمتلئ بالأدوية، حينها تمتم «سليمان» بصوت باكٍ: دعواتك يما، هموت مقتول يا خرابي.

أمسكه الرجل من ياقة قميصه ثم هزه بعنف مُقربًا وجهه من وجه الآخر، مما جعل رائحة أنفاسه الكريهة تضرب ببشرته: أنت اللي زعقت للواد ابني! دا أنت سنة أهلك سودة.
أبعد «سليمان» وجهه عنه بنفور، وقام بإغلاق أنفه بيده، ثم تحدث بإشمئزاز: ريحة بُوقك ياي أوفر، حضرتك في هنا غسول للفم روعة، فلو عايز ممكن أجيبل...

اشتدت قسمات وجه الآخر بالغضب، حتى أوشكت على الإنفجار، وهُنا أنعى «سليمان» غباؤه على ما يتفوه به من حُمق، وما كاد أن يتحدث؛ حتى باغته الرجل بلكمة أصاحت بجسده الضئيل أرضًا، ليستمع إلى صوت أحد أبناء ذلك الرجل: سيبوا يابا وأنا هقطعه، مش هخلي في خلقته حِتة سليمة.

ابتعد له أباه دون أن يتفوه بكلمة واحدة، فإشتدت يده على الإمساك بالعصى وهو يُحدقه بتوعد، ابتعد «سليمان» بظهره للخلف، ثم رفع سبابته يُحذره بشجاعة واهية: أنت. أنت عارف لو قربت مني هعمل فيك إيه! هصوت.
إلتوى ثغر الآخر سخريةً، ثم رفع يده وهبط بالعصى على رأسه، ليفقد وعيه في الحال.

وصل «موسى» مهرولًا إلى منزل «ريان»، والذي طلبه في شئ هامًا للغاية، طرق جرس الباب ففتح له «مدثر» الذي كان ينتوي الهبوط، والذي أردف بمشاكسة: أووه ياااه، موسى ذات نفسه عندنا هنا!
دفعه «موسى» بنفاذ صبر، ثم دلف للداخل بعد أن سأله بترقب: والدتك هنا!

هزَّ رأسه نافيًا، ليجلس «موسى» على الأريكة بإنهاك مُتمتمًا بتعب: منك لله يا ريان، ويخربيت ومعرفتك.
أنهى حديثه ثم نظر إلى «مدثر» المُتابع إياه ببلاهة، قائلًا: نادي لأبوك عشان ألحق أرجع للمستشفي للواد المتلقح هناك دا.
أومأ له «مدثر» بالإيجاب، وعلى بغتة أفزعت الآخر نادي على أبيه صائحًا بصوت عالي: أبااااا، يابا، كلم موسى.

انتفض «موسى» من مكانه حاملًا المزهرية التي بجانبه، ثم قذفه بها: موسى إيه يا قليل الأدب يا عديم الرباية، ما أنت ابن ريان صحيح.
خرج في تلك الأثناء «ريان» من المرحاض مُدندنًا مع ذاته بلحن أغنية ما وهو يُجفف خصلاته المُبتلة، جزَّ «موسى» على أسنانه بغيظ عندما رأى حالته المُستمتعة، لم يكن واقع بمصيبة كبيرة كما أخبره إذًا!

أبصر «ريان» نظراته الغاضبة المُصوبة تجاهه، وسرعان ما رسم الحزن على تعابير وجهه، إلتوى ثغر «مدثر» بإبتسامة عابثة وهو يعلم بقدوم عِراك بين الإثنان لا محالة، لكن ولسوء حظه ليس لديه الوقت الكافي للمتابعة، لذلك حمحم وهو يستأذن منهم: طب بالسلامة بقى عشان ورايا مشاوير وهَم ما يتلم، وابقى صورلي الخناقة بس مباشر يا والدي.

أنهى حديثه ثم تركهم وغادر هابطًا للأسفل، يقصد منزل «فارس»، وبالتأكيد يُريد أن يراها هي تحديدًا.
استدار «موسى» ل«ريان»، وما كاد أن يسأله عن سبب دعوته تلك؛ حتى استبقه «ريان» وهو يتقدم منه مُتحدثًا بنبرة حزينة: شوفت يا موسى يا خويا اللي حصل! غزل سابت البيت ومشيت، وحالفة يمين طلاق ما هي راجعة، بقى بعد السنين دي كلها تتخلى عني وتسيبني!

جائه رد «موسى» الساخط وهو يُسيح بيده في وجهه: يا أخي بركة إنها طفشت، أنا مش عارف استحملتك أنت وابنك كل السنين دي إزاي! دا أنا صاحبك أهو ومش طايقك.
حدجه «ريان» بإستنكار، ثم مصمص على شفتيه رافعًا أحد حاجبيه: ومالي أنا وابني إن شاء الله! دا احنا حتى مفيش في هدوئنا ولا في أخلاقنا.

أكد عليه «موسى» ساخرًا: على يدي يا حبيبي والله، أنت من كُتر الإحترام ناقص تكون إمام جامع.
استشف سخريته في الحديث، لذلك مطَّ شفتيه بضيق ولم يُعقب، حدجه «موسى» بيأس وهو يهز رأسه بقلة حيلة، ف«ريان» سيبقى كما هو، طفل صغير يحزن من أقل الأشياء، مهما احتل الشيب رأسه سيظل كما هو.

حمحم ثم اقترح عليه بحماس ليُخرجه من ضيقه: أنا عندي فكرة، أنت تشتري ليها بوكيه ورد حلو كدا، مع علبة شيكولاتة من اللي قلبك يحبها، وتاخدهم معاك وتروحلها عند بيت أهلها وتصالحها.
نالت الفكرة إعجاب «ريان» كثيرًا، هو بكل تلك السنوات لم يجلب لها وردًا أو حلوى، بل كان يكتفي بأن يُعطي لها عِقدًا من الذهب أو ما شابه، وللحقيقة كانت تسعد كثيرًا، فكانت أقل الأشياء تجعلها تكاد أن تطير فرحًا.

أومأ بالإيجاب وعلى ثغره ابتسامة تتسع تدريجيًا عند تخيله لردة فعلها، أستسعد! بالتأكيد كذلك، نظر ل«موسى» المُتابع له ثم أردف بإلحاح: طيب تعالى معايا عشان خايف أعُك الدنيا معاها.
استهجن «موسى» حديثه، فأجابه بحاجب مرفوع: يابني أنت صغير! دا أنت عندك 51 سنة.
ورغم أن حديثه صحيح، إلا إنه صاح في وجهه بتوبيخ: طب متقولش 51 سنة بس، أنا مازالت شاب عشريني وسيم.

لوى شفتيه ساخرًا، ثم هبَّ من مكانه مُتأهبًا للذهاب: طيب أنا همشي بقى عشان إسحاق في المستشفى لوحده هو والجماعة.
وقف «ريان» هو الآخر قاطبًا جبينه بقلق: مستشفى ليه! إيه اللي حصل!
أجابه «موسى» مستنكرًا وبسمة ساخرة مُتشكلة على ثغره: أبدًا يا سيدي، مِسِك شوية عيال ضربهم لحد ما طحنهم، وهو دلوقتي اللي في المستشفى.

لم يفهم «ريان» حديثه في البداية، سرعان ما استشف المغزى من وراءه، ليُطلق ضحكة رنانة صدحت في الأرجاء، تلاها قوله الضاحك: لأ راجل صحيح، ابقى سلملي عليه لحد ما آجي أزوره أنا وغزل النهاردة.
شاركه «موسى» الضحك وهو يُومئ له، ثم غادر وتركه يضحك بخفوت على هذا الحديث، والذي من المؤكد أن «إسحاق» هو قائله.

هبط «مدثر» لمنزل «لوچي» حتى يُصالحها، يُفكر في غيرتها العمياء من «حور» ابنة «أحمد أبو زيد»، وقف أمام باب المنزل مباشرةً، وقبل أن يطرقه تمتم مع ذاته: ربنا يسامحك يا ماما، دي هتطين عيشتي.

استجمع رباطة جأشه ثم طرق الباب على مهل، انتظر قليلًا حتى فُتِح الباب ببطئ، وأول مَن قابله هو «فارس» الذي ما إن رآه حتى رسم بسمة صفراء على ثغره، تبعها بقوله الحانق وهو يجز على أسنانه بغيظ: عايز إيه يا ابن ريان!

ارتسم التوتر على محياه من وجوده، ف«فارس» يُحبه، لكنه لا يطيق وجوده بجوار ابنته، يحبها بشدة ويغار عليها كأنها محبوبته وليست ابنته، رفع يده في الهواء م لوحًا بها ببلاهة: ازيك يا عمو!

لم يُجيبه، بل ظل يُحدق به بجمود لعلمه سبب قدومه، بالطبع قادم لتلك المُدللة ابنته، وهو لن يسمح له بذلك، علم «مدثر» ما يجول بخاطره، لذلك رسم على محياه الضيق، قائلًا بحزن زائف: طبعًا مفكرني جاي ل«لوچي» صح! على فكرة أنا جاي ليك أنت عشان أقولك إن عمو موسى قاعد مع بابا فوق وبيعيط عشان ابنه إسحاق في المستشفى.
فتح «فارس» عيناه بفزع متشدقًا بقلق: بتقول إيه! مستشفى!

لم ينتظر حتى لسماع اجابته، بل هرول للأعلى ل«موسى» والذي بات صديقه في تلك السنوات التي مضت منذ أن تزوج ب«تسبيح»، نظر «مدثر» لأثره بعيون يلتمع فيها المكر والخبث، ثم دلف مسرعًا للداخل حتى يستطيع التحدث معها قبل أن يأتي «فارس» إلى هنا مجددًا.

اصطتدم ب«زهر» والتي كانت تخرج من المطبخ في ذلك الوقت، وضعت يدها على قلبها بفزع قائلة بخضة: حرام عليك يا مدثر، حد يدخل كدا!
أجابها مُسرعًا وهو يُربت على كفها بإعتذار: حقك عليا يا حماتي، قوليلي بسرعة لوچي فين!
ابتسمت بخفة وعلمت الان سبب هرولته تلك، فأشارت تجاه أحد الغرف قائلة بضحك: هناك قاعدة في أوضتها.

أما بالداخل. عندما استمعت «لوچي» إلى صوته، قامت بإغلاق باب غرفتها بالمفتاح الخاص به حتى تمنعه من الدخول، فما زالت غاضبة منه، رغم علمها بأن ليس له ذنب في ذلك، ولكن هي تغارُ عليه بشدة.
استمعت إلى صوت الباب، تبعه صوته المُنادي: لوچي افتحي أنا مدثر.
هزت رأسها برفض كأنه يراها، ثم أجابته بتنعت وغضب: لأ مش فاتحة، وابقى خلي ست حور تنفعك.

حور مين بس دلوقتي! طب افتحي بس ونتفاهم أنا وأنتِ بشكل وِدي.
أصرت على عنادها مُجيبة إياه: لأ برضه، مش هفتح يعني مش هفتح، وسيبني وامشي دلوقتي يا مدثر بدل ما أنادي لبابا.
لم يُعير لحديثها أي أهمية، فقال بصوت عالي وصل لمسامعها: افتحي يا بت، دا أنا الذي لا ينام الليل الكحلي بسبب التفكير في عيونك العسلي يا بت.

لم تُجيبه بل تمددت على فراشها مستمتعة بحديثه الذي يُلهب نيران قلبها، تشكلت بسمة عاشقة على ثغرها عندما استمعت لبداية حديثه، سرعان ما اختفت عند استماعها لآخره: وأقسم بالله بحبك أكتر من حبي للمكرونة بشاميل.

قطبت جبينها بغضب، ثم هبت من على فراشها بعصبية، تقف خلف الباب صارخة بحدة: لأ شكرًا مستغنيين عن خدماتك ياخويا، روح حِب المكرونة أحسن، احنا مش بنشحت حب من سيادتك، ولو اتطربقت السما على الأرض مش هفتح الباب يا مدثر.
بعد ربع ساعة، كانت «لوجى» جالسة على الأريكة المُقابلة ل«مدثر» قائلة بخفوت وخجل: وأنا كمان بحبك يا مدثر.

أسبل عيناه على وجهها بوله، ثم أردف ببلاهة: اعطيني كمان واحدة مدثر يارب تتجوزي.
فتحت فمها في نية لإجابتها، وإذ بوالدها يدلف بغضب مُمسكًا ب«مدثر» من ياقة قميصه وهو يهزه بعنف: بقى أنت يلا بتضحك عليا أنا! طيب معنديش بنات للجواز.
جعد «مدثر» جبينه بضيق، ثم أشار ل«لوچي» التي تُتابع شجارهم المعتاد بضحكة مكتومة: أومال اللي قدامك دي إيه! أباجورة!

هزه «فارس» بعنف وهو يكز على أسنانه: هي مين دي اللي أباجورة يلا! بقولك إيه أنت أصلًا خاين وأنا ميرضنيش إن بنتي تتخان.
وبصعوبة انفلت «مدثر» من بين يديه مبتعدًا عنه، تاركًا مسافة مُناسبة للهروب، ثم صفق بيده بطريقة تُشبه الردح: هو إيه اللي ميرضكش بنتك تتخان! ما أنت خونت طنط زهر مع السكرتيرة ومتكلمناش.

ثانية. ثانيتان. وكان الصمت يعم المكان، ومن بعدها استمع الجميع إلى صوت صياح «زهر»: نعم نعم! بتخوني! والله دا أنا أقتلك فيها.
حمحم «مدثر» بقلق، ثم عدَّل ياقة قميصه بيده، مُردفًا ببرائة: طيب يا جماعة استأذنكم أنا بقى عشان هروح أصلِّي المغرب.

قال جملته ثم انطلق هاربًا للخارج بعدما أشعل الأجواء المحيطة به، وجهَّت «زهر» عيناها الغاضبة نحو زوجها، ثم أردفت بخفوت قريب وهو تُمسك بآلة حادة (السكينة) بين يديها: عايزة أفهم كل حاجة دلوقتي يا فارس، بدل ما أقتلك وأقتل ولادك الاتنين.

ارتسمت ابتسامة متوترة على ثغر «فارس» وكذلك «لوچي»، دلف في تلك الأثناء «عدي» المُقطب الجبين، والذي لم يُعيرهم أي أهمية، دالفًا إلى حجرته بصمت وهدوء مريب أثار تعجبهم.

قرر «فارس» التحدث معه لكن بعد الإنتهاء من حوار زوجته والتي من الممكن أن تقضي على حياته في لحظة غضب، اقترب منها رويدًا قائلًا لها بتهدأة: أنتِ عارفة إني بحبك يا زهري مش كدا! يعني مستحيل أبص لأي واحدة برا، لإنك بإختصار مالية عيني وقلبي.
حسنًا. لقد قام بتهدأتها، لكنها ستصر على رأيها لمعرفة الأمر كاملًا، لذلك أشاحت بيدها في الهواء صائحة: أومال إيه الكلام اللي مدثر بيقوله دا!

أجابها بسباب يخصه: دا عيل حقير ملكيش دعوة بيه.
اقترب منها ببطئ، ثم انتشل منها السكين على بغتةً، فقرًَب وجهه منها قائلًا بهيام: بقى حد يكون معاه الفراولة كلها ويبص للسردين!
نفخت «لوچي» بغيظ، ثم دلفت إلى غرفتها مُغلقة الباب خلفها، وهي تقول بحسرة: منك لله يا مدثر، تعالى اتعلم من بابا يكش تحس على دمك.

يا محمود ما تجيب بوسة بقى الله!
هتفت «ميران» بتلك الكلمات بضجر مُوجهة حديثها لزوجها الذي يجلس بعيدًا عنها على الأريكة المقابلة، هزَّ «محمود» رأسه بلا وهو يُحدجها بضجر من طرف عيناه، ثم أردف بغيظ: لأ، عشان تبقي تتصرفي بمزاجك وتخرجي من غير إذني بعد كدا.

جعدت وجهها بضيق ثم اقتربت منه حتى جلست جانبه مُباشرةً: طيب عشان خاطري متزعلش مني، وبعدين دا أنا كنت بزور مريض، وزيارة المريض واجب.
أشاح بيده وهو يُجيبها: بلا واجب بلا بتاع، واللهِ حتى لو بتزوري أمك تقوليلي.
وضعت يدها على كفه المُجعد قليلًا، قائلة بإلحاح: حاضر والله هقولك بعد كدا، بس خلاص متزعلش.

حاول أن يظل على موقفه؛ لكن أمام نظراتها المُترجية انهزم، أحاط بها فوضعت رأسها على كتفه قائلة بحب: بحبك يا حودة.
قبَّل جبينها بعشق: وحودة بيموت في قلبه.
رفعت رأسها له وعادت نظرات المكر والخبث تُحيطان بعينها: طيب البيت فاضي ها ولا مش واخد بالك!
كتم ضحكته بصعوبة شديدة، ثم تصنَّع الجهل: أيوا يعني إيه مش فاهم!

اقتربت منه رويدًا حتى قالت بهمس: يعني استغل الموقف يا حودة بقى، عايزين نجيب أخ ل«سليمان» بدل ما هو وحداني كدا.
اقترب منها، وما كاد أن يُجيبها؛ حتى استمع إلى صوت رنين هاتفه، تأففت هي بضيق ثم أردفت بسخط: هو دا وقته!
ضحك عاليًا ثم حاول التحكم بذاته، وبعد أن نجح في ذلك؛ أجاب على الهاتف بصوت هادئ رزين: السلام عليكم.
وعليكم السلام، كنت عايز أبلَّغ حضرتك إن ابنك في المستشفى.

انتفضت من مكانه متحدثًا بهلع بعد أن دفع «ميران» بعيدًا: سليمان! إيه اللي حصله! ومستشفى إيه اللي هو فيها!
ابني.
كلمة خرجت من فم «ميران» المزعورة بعدما استمعت لحديث زوجها الأخير.
أغلق «محمود» الهاتف بعدما أملى عليه الآخر اسم المشفى المُحتجز بها «سليمان»، ثم دلف لغرفته و«ميران» خلفه تسأله بجزع: إيه اللي حصل يا محمود! سليمان ماله!

أجابه بتيهة أثناء إتجاهه إلى خزانته ليُخرج منها ثيابه التي بدأ في إرتدائها سريعًا: معرفش يا ميران معرفش، أما أنتِ لو تتقي الله وتبطلي قلة أدبك دي! ربنا هيباركلنا في حياتنا وكتاب الله.
لم تجد الوقت لإجابته، بل اتجهت نحو ثيابها ترتدي عبائتها وحجابها سريعًا، حدجها «محمود» بسخط وهو يُكمل إرتداء ثيابه: أنتِ راحة فين!
أجابته بتنعت وإصرار: راحة لإبني، ما هو مش ابن البطة السودة.

أغمض عينه لكي يتحكم في إنفعالاته، ثم أنهى إرتداء ملابسه، وهي كذلك، تاركين المنزل مُتجهين إلى المشفى القابع بها ابنهم.

قلبه يتآكل ألمًا مما ألقته على مسامعه، تُريد الإبتعاد وهو العاشق لها منذ صغرها، ألقت عليه حاجز يُبعد بينه وبين الجنس الآخر فأصبح لا يرى سواها، عشقها أرهقه، وحديثها أنهكه، وبالنهاية تُريد الطلاق، وهو مَن كان يتوقَ لزفافهم الذي سيُقام بعد أسبوعان من الآن، يشعر بجدران الغرفة تكاد أن تطبق على أنفاسه، رئتيه تُريد الهواء، يُريد أن يتنفس، ولن يحدث ذلك إلا أن تعود له.

تذكر حديثهم الدائر منذ سويعات قليلة عندما ذهب ليلتقيها، وبعد محاولات كثيرة لمعرفة ما بها، ألقت على مسامعه جُملة جعلته يُقسم بأنه سمع صوت تفتت فؤاده: عُدي أنا مش عايزة أكمل.
فتح «عدي» أول ثلاثة أزرار من قميصه الأسود ليلتقط أنفاسه، ورغم أنه قادم من عندها منذ دقائق، إلا أنه قرر الذهاب إليها مرةً أخرى لمعرفة السبب خلف قرارها ذلك.

خرج من المنزل سريعًا وصعد عدة درجات للأعلى قاصدًا منزلها، لكنه توقف عندما رأها تهبط الدرجات بتعابير وجه منكمشة، توقفت عندما وجدته أمامها، ثم استرسلت هبوطها تحاول تجاهله، مرت من جانبه في نية لتركه، لكنها توقفت عندما أمسك بمعصمها جاذبًا إياها حتى أصبحوا يقفون أمام باحة منزله هو.
أفلتت «منار» معصمها من يده بقوة، ثم تحدثت بحدة: أنت عايز مني ليه! مش قولنا كل اللي بينا انتهى وهتطلقني!

ضرب على الحائط من خلفها جاززًا على أسنانه وهو يُمسك بها من ذراعها بعنف: أنتِ اللي قولتي، أنا مقولتش حاجة، وطلاق مش هطلق، وحالًا عايز أعرف السبب ورا القرار المتخلف دا، وبعدين راحة فين من غير ما تقوليلي!
سحبت يدها بعنف من بين قبضته، ثم أشارت بسبابتها أمام وجهه مُردفة بصراخ: ملكش دعوة بيا، وآخر مرة تفرض نفسك عليا تاني أنت سامع!

خطَّت عدة خطوات تنوي تركه والذهاب، لكنه لم يسمح لها بذلك، بل دفعها للخلف ليصتدم ظهرها بالحائط العريض من خلفها بقوة آلامتها، مُتحدثًا بقوة وأعُين تطلق شررًا: لو الهانم ناسية إنها مراتي فأنا أحب أفكرها بدا، واللي بقوله هيتسمع من غير نقاش، مفهوم!
دفعته بغل قبل أن تنطق بكُره ظاهر: طلقني.

ولثاني مرة ترميها أمام وجهه دون ذرة رحمة أو شفقة، لم تنظر إلى قلبه المتألم بعشقها، ضاربة بكل تلك السنوات التي قضوها معًا بعرض الحائط، عاد للخلف عدة خطوات وهي لا تفعل شئ سوى متابعته فقط، تُقسم بأنها فؤادها يؤلمها أضعافًا مُضاعفةً عنه، لكن لا توجد سوى تلك الطريقة.

أومأ لها بهزات خفيفة من رأسه، ثم تحدث بجمود رغم ذلك الألم الذي أحاط بعينه: هطلقك يا منار، هطلقك وهدوس على قلبي وقلبك، هتجوز وهشوف حياتي، بس بعيد عنك، ورقتك خلال يومين هتكون عندك، ومن هنا وجاي أنتِ بنت عمي وبس.
في تلك الأثناء. فتح فارس باب المنزل والذي استمع إلى الحديث بأكمله لكنه لم يود التدخل من البداية، لكن الآن الأمر مختلف تمامًا، فمن المؤكد بأنهم سينهون كل شئ بغبائهم هذا، لذا عليه التصرف.

كانت دموع «منار» تهبط دون هوادة عندما استمعت لحديثه الأخير، ظنت بأنها ستسطيع التحمل والتجاوز، لكن مجرد الحديث انهارت وباتت على مشارف الإنهيار، اتجه إليها «فارس» ثم أخذها في أحضانه مُربتًا على ظهرها: اهدي يا حبيبتي وبطلي عياط، أنا مش عارف أنتِ كنتِ مستحملاه طول الفترة اللي فاتت دي إزاي! أنا أبوه أهو ومش طايقه.

حاول بحديثه المُمازح أن يضحكها، مما أغاظ «عدي» كثيرًا وجعله يقول بحنق: يا بابا أنت بتقول إيه!
نهره «فارس» بجدية وغضب: اخرس يا حيوان وغور من وشي دلوقتي، بقى حد يزعَّل البسكوتة دي! لأ وتخليها تعيط كمان! دا أنت كائن معندكش دم.
كز «عدي» على أسنانه بغضب، ثم ذهب من أمامهم والنار تشتعل في كل جزء بجسده، لم يُحبذ أن تنتهي الأمور هكذا، لكنها استنزفته بكل ذرة فيه.

بعد ذهابه، أخرج «فارس» تلك الباكية من أحضانه، ثم مسح دموعها من على وجهها، جاذبًا إياها من يدها للداخل لكي يتحدث معها: تعالي يا بسكوتة نتكلم شوية.
أطاعته ودلفت معه للداخل ولم تتحدث، جلست على المقعد المقابل له، ورغمًا عنها التقطت عيناها صورته الموضوعة على الطاولة من جانبها، وسيمًا بدرجة أرهقت قلبها، رغم أنه يظهر للآخرون كشخص عادي، لكن المُحِب يرى الحبيب بقلبه هو.

سحب «فارس» نفسًا عميقًا قبل أن يزفره على مهل، وبعدها نظر إليها مُطولًا قبل أن يتحدث بهدوء: طبعًا أنا مش هقولك ليه عملتي كدا ولا ليه عايظة تطلقي من عدي، عدي قبل ما يكون ابني فأنتِ كمان بنتي وحِتة من قلبي، زيك زي لوچي بالظبط، اللي يجي عليها كأنه بيجي عليا بالظبط، ولو عُدي زعلك أو عمل حاجة ضايقتك؛ خليكِ متأكدة إني هقف في ضهرك وهخليه يطلقك غصب عنه، لكن قبل دا كله عايز أقولك إنه بيموت فيكِ، ومش عشان ابني بقول كدا لأ، بس أنا فاهمه أكتر من نفسه، وعارف إنك أغلى حاجة في حياته، أنا مش عايز نهايتكم تبقى كدا، مش عايز حد فيكم يتحرق بنار الحب، ليه عايزة تبعدي وتطلقي!

تشكلت طبقة كثيفة من الدموع داخل مقلتيها، ولم تجد حلًا سوى إخباره، ارتعشت شفتيها ببكاء ثم بدأت بالحديث: أنا. أنا مش عايزة أظلمه معايا.
قطب جبينه وهو يسألها بإستفهام: تظلميه في إيه بالظبط!
أجابته بتردد: أنا. أنا لا إنجابية يا عمو.
رد عليها ببلاهة شديدة وهو يقول: بتتكاثري لوحدك ولا إيه مش فاهم!
أعادت تكرير جملتها على مسامعه وهي تُصحح له: لا إنجابية.

خشى ما إن كان ما يُفكر به صحيحًا، لذلك رد بحماقة أشد: لا إرادية!
يا عمو لا إنجابية.
قالتها بنفاذ صبر، فأجابها بتخوف وكأنه ينفي لذاته ذلك المغزى من الحديث: فول وطعمية!
يوه، لا إنجابية يا عمو يعني أنا مش بخلَّف.

صمت «فارس» وصمتت هي، تُتابع تعابير وجهه التي لم تتغير، تعلم كُل ما يدور برأسه، فهو في النهاية أب ويحتاج إلى أحفاد، أنزلت وجهها تُخفي دموعها التي تشكلت مرة أخرى، شعرت بيده تمتد لوجهها لترفعه، ثم استمعت لحديثه الحنون: عرفتي منين!

أجابته بتردد وخجل: عملت تحاليل ولما جبتها الدكتور قالتلي إني مش هعرف أخلف، مصدقتهاش ورُوحت عملت تحليل واتنين وتلاتة عند كذا دكتور وفي الآخر بتكون نفس النتيجة ونفس الكلام، وهي إني مش هخلف.
انهت حديثها وهي تشهق ببكاء مرير مُردفة بحشرجة: عُدي يستاهل الأحسن يا عمو، أنا مش عايزة أظلمه معايا، أنا...

قاطعها بهدوء: لازم تقولي لعدي عن كل حاجة، وهو وقتها اللي يقرر لو عايز يفضل معاكِ ولا لأ، وخليكِ متأكدة وواثقة من نفسك، متكونيش ضعيفة، أي بلاء ربنا بيبتلينا بيه بيكون إختبار لينا في الدنيا، والدنيا فانية، عيشي حياتك وعيشي سِنك واعملي اللي عليكِ وسيبي الباقي على ربنا.

هل تعلمون تلك الطمأنينة التي تهبط على الفؤاد فجأة عند الإستماع لما يسلب منك تلك الطاقة السلبية التي تكمن في صدرك! شعرت بها هي بعد إنتهائه من حديثه، اقتربت منه مُرددة له بإمتنان: شكرًا يا عمو، شكرًا بجد.
قبَّلها من جبينها بحنان، ثم أردف بمزاح: يلا امسحي دموعك وروحي شوفي الواد الحيلة اللي طفشتيه راح فين.

ضحكت بخفة وهي تمسح دموعها، ثم خرجت من المنزل هابطة للأسفل تجول ببصرها في الأنحاء في نية لإيجاده، ستُخبره بكل شئ اليوم، وهو سيُقرر.

آه ياني يا مراري. يا دماغي ياما. آه منك لله يا ابن الوارمة. اللهي تتشك في جنابك يا بعيد. اللهي يجيلك حصبة في زورك. اللهي يجيلك شلل في مناخيرك. آه الدنيا بتلف برجلي يا ناس.

صعدت تلك الكلمات المُولولة من فم «سليمان» الذي قاموا بتقطيب رأسه نتيجة لذلك العِراك الذي حدث بينه وبين ذلك الرجل عديم الرحمة والإنسانية! والمُمرضة تُحدجه بسخط نتيجة لذلك الصداع الذي سببه لها منذ أكثر من ساعة كاملة، ساعة وهو يُولول كالنساء!

دخل كُلًا من «محمود وميران» اللذان جاءا للتو، ومعهم جاء «موسى» الذي رآهم يدلفون للمشفى وعلم منهم ما حدث فقرر مرافقتهم، هرولت له «ميران» التي تحدثت بفزع: سليمان يا حبيبي مالك!
وضع يده على رأسه ثم أردف بتحسر: شوفتي اللي جرالي ياما! شوفتي اللي حصلي ياختي!
جاورته «ميران» جالسة على الفراش وهي تكادُ تبكي: عملوا فيك إيه يا عين أمك!

ضربوني ياختي، ضربوني ومحدش سمَّى عليا، استغلوا وحد


v,hdm 🎭 pdk djp,Rg hguar Ygn luv;m 🤣 pf d[vp>> ,kuhg d'dv: d,ldhj Hsvm ohv[ hgsd'vm

تم تحرير الموضوع بواسطة :Zainab بتاريخ:21-09-2025 06:10 مساءً



look/images/icons/i1.gif رواية 🎭 حين يتحوّل العشق إلى معركة 🤣 حب يجرح.. ونعال يطير: يوميات أسرة خارج السيطرة
  21-09-2025 06:10 مساءً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 28-07-2025
رقم العضوية : 9
المشاركات : 62
الجنس :
قوة السمعة : 10
  واحد اتنين تلاتة أربعة، أنا في الغرام أنا دايبة صبابة. ياما في الغرام والعشق غلابة. بت يا «ميادة» أرقصي كويس، كدا هتخسري في المسابقة.
هتفت «إهداء» بتلك الكلمات تُعنف ابنتها التي تبلغ من العمر الواحد وعشرون عامًا، ثم أشارت إلى شقيقتها التوأم قائلة: شايفة زينب بترقص إزاي! اتعلمي منها ما بلاش الرقص اللي يجيب المغص دا.

توقفت «ميادة» عن الرقص وهي تتأفف بنفاذ صبر، ثم قامت بفك تلك العقدة التي حول خصرها لتحديده، رامية إياها أرضًا بضجر، ثم تحدثت بسخط بعدما صعدت على الفراش لتجلس عليه: أنا زهقت يا ماما، وبعدين قولتلك أنا مبعرفش أرقص أساسًا، هي عافية!

تخصرت «إهداء» في محلها، ثم أشاحت بيدها بعصبية: آه يا عين أمك هي عافية وبمزاجي، مش أنا أمك! مش أنا اللي شِلتك في بطني تسع شهور! مش أنا اللي رضعتك وأكلتك ولبستك لحد ما كبرتي وبقيتي شحطة! يبقى من واجبك إنك تسمعي كلامي.

قلبت «ميادة» عيناها بملل من كلمات والدتها المُتكررة، والتي ترميها على مسامعهم منذ أكثر من عشرون عامًا، كأنها تقوم بإذلالهم! تقدمت «زينب» من والدتها مُردفة برقة وهي تلوك العِلكة بفمها: خلاص يا مامي سبيها براحتها، مسيرها تتعلم في يوم من الأيام.

حدجت «إهداء» ابنتها «ميادة» بسخط، وكادت أن تتركها وتذهب؛ لكن هناك فكرة خبيثة جالت بعقلها وعليها التنفيذ، رسمت تعابير حزينة على وجهها، ثم اقتربت منها حتى جلست أمامها على الفراش، قائلة بنبرة حنونة وحزينة بذاتِ الوقت: يا بنتي اسمعي كلامي أنا أمك وعايزة مصلحتك، عايزة أشوفك حاجة كبيرة في يوم من الأيام، عايزاكِ تكوني رقاصة قَد الدنيا!
يا مصيبتك يا شهاب!

هكذا تمتم «شهاب» والذي جاء للتو ليستمع إلى كلمات زوجته المصون وهي تُشجع ابنتها لتعلُم الرقص، دلف للغرفة مقتربًا منهم، ثم جالت عيناه على ثيابهم، والتي كانت عبارة عن بدلات رقص أصيلة تكشف عن أجسادهم بسخاء، فاق من صدمته مُوجهًا حديثه ل«إهداء» المُمتعضة: بقى هي دي تربيتك لعيالك! عايزاهم يبقوا رقاصات!

نفت برأسها بقوة قائلة: لأ طبعًا رقاصات إيه! دي هي مسابقة رقص اللي هيشتركوا فيها وهتبقى على المسرح بس، لكن مفكر إني هخلي بناتي يرقصوا في كباريه! لأ يا عم استغفر الله.
جعد وجهه بتأثر زائف مُجيبًا إياها: لأ استني هعيط، أخلاقك أحرجت أهلي واللهِ، مش عايزاني ألملكوا النُقطة بالمرة!

كادوا أن يُجيبوه، لكنهم انتفضوا فجأةً من صراخه عليهم والذي هزَّ الأرجاء: يلا يا بت أنتِ وهي غيروا المسخرة دي، ولو شوفتكم لابسين اللبس دا تاني أنا هعلقكم بيه من رقابكم الحلوة دي.
ارتعدت فرائسهم من عصبيته وتصنمت أجسادهم محلها ولم يتحركوا قيد أنملة، لذلك صرخ بصوت أشد: قولت يلا.

هرولوا من أمامه مُسرعين، وجاء دور «إهداء» للخروج، لكنه منعها من ذلك مُغلقًا الباب مُسرعًا قبل أن تخطو خُطوة واحدة خارج الغرفة، ثم حدجها بخبث قائلًا بإبتسامة ماكرة: كنتِ بقى بتعلميهم يرقصوا إزاي!

وبس يا سيدي هو دا كل اللي حصل.
هكذا أردف «مدثر» الذي كان يستند على سيارة «سليم الراوي»، وهو يُمسك ببعض الأحجار الصغيرة ليقذفها بعيدًا.
لوى «سليم» شفتيه بإستهزاء، قبل أن يقول بسخرية: يعني انتوا اللي غلطانين، وضربتوا العيال، وضايقتوهم، وزعلان إنهم ضربوا إسحاق! دا أنا مشوفتش في بجاحتك أنت وهو.

تأفف «مدثر» وهو يلتفت له قائلًا: احنا نضرب آه، لكن نتضرب لأ.
نظر له «سليم» من طرف عينه ولم يُجيبه، وبعد ثواني تشدق بجمود: ما تجيب من الآخر يا مدثر وقول إيه السبب الحقيقي، كل اللي حكيته دلوقتي دا مدخلش دماغي بتعريفة.
علم أن لا مفر منه، لذلك تحدث «مدثر» بهدوء ناظرًا أمامه بغموض: موضوع يخص إسحاق، والعيال دا جُم على اللي يخصه.

علم «سليم» ما يرمي إليه، يبدو أن في الأمر فتاة، وهي السبب بكل ذلك: بنت يعني!
هزَّ رأسه يؤكد له قائلًا ببسمة خفيفة: وتخصه أوي، والعيال دول ضايقوها في الجامعة.
عدَّل «سليم» من ياقة ملابسه ثم نظر له غامزًا إياه: لأ طالما تخصه أوي يبقى تخصنا احنا كمان.
ضرب «مدثر» كفه بكف الآخر مُهللًا بصياح: هو دا الكلام يا زميل.

قهقه «سليم» عاليًا وشاركه «مدثر» في الضحك، فاستدار كلاهما للصعود إلى السيارة، مُجهين بها إلى وجهتهم الغامضة، لكن. إلى أين يا تُرى!

صعد «ريان» إلى منزل عائلة «غزل»، مُمسكًا بتلك الأشياء التي أملاها عليه «موسى»، والتي من المفترض أن تكون (ورد وقالب من الحلوى).
طرق على جرس الباب وانتظر لثوانٍ حتى فُتح وظهر من خلفه «إبراهيم» والذي استقبله بإبتسامة واسعة، ثم أردف له بترحيب: تعالى يا ريان اتفضل.

دلف «ريان» للداخل ودار بأنظاره في المكان للبحث عنها، قاطعه «إبراهيم» مُشيرًا بتعجب شديد لما يحمله: إيه اللي أنت جايبه معاك دا!

كاد أن يُجيبه؛ لكن قاطعه خروج «غزل» ووالدتها من المطبخ يحملان الصحون المُمتلة بالطعام، طالعته بإمتعاض ثم مرت من جانبه واضعة الطعام على الطاولة، ثم استدارت له مُحدجة إياه باستغراب، قبل أن تقول وهي تُشير للأشياء التي يحملها: إيه اللي أنت جايبه دا!
اتسعت ابتسامته، ثم اقترب منها وهو يمد يده لها: كنت عايز أجيبلك ورد بس لقيت المحل قافل، فلقيت راجل عجوز بيبيع قرنبيط شبه الورد وجبتهولك.

تجمد وجهها وهي تُحدجه باستنكار شديد، بينما خفتت ابتسامته وهو يسألها بترقب: إيه الهدية معجبتكيش!
لم تُجيبه؛ بل ظلت على حالة الجمود التي تلبستها، ابتلع ريقه بتوتر ثم مدَّ يده الأخرى الحاملة لحقيبة سوداء بلاستيكية، ثم تشدق بقلق: طيب متزعليش، جبتلك معاها سردين علشان ناكل سوا.

ضرب «إبراهيم» كلتا يديه ببعضهما، ثم أردف بيأس موجهًا حديثه لإبنته قبل أن يذهب هو وزوجته من أمامهما: قولتلك زمان بلاش تتجوزي الأهبل دا أنتِ اللي صممتي.
بعد ذهابهما وتركهم على راحتهم؛ حدج «ريان» زوجته بترقب علَّها تنطق ولو بكلمة واحدة: مالك يا غزالتي!
نفضت يده ناظرة إليه بضجر، وحديثها أعكس حنقها: جايبلي قرنبيط وتقولي ورد!

كاد أن يتحدث، فقاطعته قائلة: أنت بتهزر يا ريان! مكنتش أعرف إن دي قيمتي عندك.
شعر بتأنيب الضمير وهو يُلاحظ حزنها منه، اقترب منها بعدما وضع الأشياء أرضًا، ثم أحاطها واضعًا رأسها موضع قلبه: قيمتك غالية أوي عندي يا غزل، حتى أغلى من حياتي.
وهل قُلت بأنها حزنت منه! حسنًا. إن قلت ذلك؛ فلقد تبدد كل هذا الحزن الآن وكأنه لم يكن، تُقسم بأنه يستطيع بنظرة واحدة أن يجعلها تخضع له وتُسامحه.

وبينما كانت هي شاردة في حنانه الذي يحتويها؛ ظن هو بأنها مازالت حزينة، لذلك أخرجها من أحضانه ثم قبَّل جبينها بحنو: خلاص متزعليش حقك عليا، من بكرا هاخدك أفسحك وأخرجك خروجة حلوة لأجل عيونك.
اتسعت ابتسامتها بسعادة، قائلة بفرحة: بجد يا ريان!؟
غمز لها مُشاكسًا وهو يُجيبها: بجد يا عيون ريان.
ثم ابتعد عنها مُمسكًا بالكيس البلاستيكي متشدقًا بحماس: خدي بقى اعملي لينا أكلة سردين حلوى من إيدك القمر دي.

هزَّت رأسها بيأس من تصرفاته، ثم أخذت منه الطعام مُتجهة به إلى المطبخ لتعده له، وذهب هو خلفها مُشاكسًا إياها وهو يُدندن: يا غزال يا غزال، حلاوتك يا غزال.
قهقهت بمرح وما كادت أن تتحدث؛ حتى قبَّلها على وجنتها بمشاكسة، قائلًا بعشق تمكن من فؤاده: لو مهما مَر العُمر هتفضلي دايمًا في قلبي.

جاهز يا شقيق!
جاهز يا زميلي.

قالها «سليم» غامزًا ل«مدثر» الذي يُشمر عن ساعديه، بعدما لمح حِفنة الأوغاد الذين اعتدوا بالضرب على صديقهم «إسحاق» يستندون على سيارة سوداء تعود لشخص منهم، تقدما منهم ببطئ يُتلِف الأعصاب، مُمسكين بأيديهم عصى خشبية شديدة القوة، لمح الآخرون تقدمهم؛ فوقف ذلك الجالس على صفيح السيارة، بعدما رمى سيجاره، وبعينه يلتمع الوعيد، ووقف خلفه ثلاثة من أصدقائه المُتأهبين للشِجار.

لوى «أشرف» شفتيه بإستهزاء وهو ينظر حوله بسخرية: إيه دا انتوا جايين لوحدكم!
أجابه «مدثر» بنفس الطريقة المُستهترة: سلامة النظر يا حبيبي، لو مش شايف قولي وأنا أدلك.

أثارت كلماته حنقه، وذلك لإحراجه أمام أصدقائه والذي يُعتبر هو كبيرهم من بينهم، كاد أن يُجيبه بسبة بذيئة؛ إلا أن «سليم» قاطعه متشدقًا بعتاب وهو ينظر نحو «مدثر»: تؤ تؤ يا مدثر، ليه كدا يا صديقي! أنت عارف إن ليس على المريض حرج، واحنا مش جايين عشان نذله، احنا جايين نربيه خمساية بس وهنرجع تاني.

أنهى «سليم» كلماته المُهينة، ثم هبط بالعصى على يد الآخر، والتي تجرأ أن يضرب بها صديقه، هجم عليه أصدقائه من الخلف، لكن «مدثر» لم يقف صامتًا، بل جعلهم ينالون قِسطًا من تلك العصى التي بيده، جاعلًا إياهم يولولون كالنساء من شدة الضربات التي نالتها أجسادهم الحقيرة.

تجمعت المارة حولهم، ومنهم مَن حاول فض التشابك بينهم، وبالطبع كان «مدثر وسليم» هم المُسيطرين على الوضع، توقفوا عن ضربهم وصدورهم تنهج بشدة من ذلك المجهود المضني الذي فعلوه، مسح «مدثر» جبينه من العرق الكثيف، وكاد أن يذهب؛ لكنه عاد أدراجه حيث يقبعون يصرخون من الألم، ثم هبط لمستوى «أشرف» مُمسكًا إياه من ياقة قميصه، ثم همس إليه بشر: اللي يجي ناحية حد يخصني أدبحه.

وبعدها دفعه بعيدًا ناظرًا إليه بإشمئزاز وكأنه نكرة، ثم ذهب هو و«سليم» الذي كان يُتابع موقفه الأخير بإبتسامة شامتة مُستهزأة، نظرا لبعضهما ثم ضربا بكفيهما معًا، تبعه حديث «مدثر» المُشاكس: اخويا الصاصا.
فرد عليه «سليم» بضحكة عالية: اخويا الطيخا.

لحظة الخذلان تكون قاسية كالجليد، تهبط على قلبك فتُحطمه مُفتتة إياه لأشلاء صغيرة، أشلاء كانت مُمزقة من قبل وكانت تنتظر خلاصها وترميمها، لكن جاءت اللحظة الغير متوقعة لإنهاءه كُليًا.

جلس «عدي» في مكانهم المُعتاد أمام البحر، شرد به وعقله لا يتوقف عن العمل، التفكير سيُهلكه، بل كاد أن يُجن، لِما قالت ما قالته! هل كرهته لتلك الدرجة لكي تُطالب بطلاقها! هل هو أصبح السئ الذي لا يُطاق! هل أغضبها بإهتمامه الزائد بها! لا يعلم أي إجابة واحدة على أسئلته.

حدق بزرقة المياه الحالكة، عميقة تُشبه حال قلبه التائه الآن، تتصارع مواجاتها كما يُصارع قلبه للنبض في تلك اللحظة، يشعر به يكاد أن يتوقف من شدة آلامه، وعلى حين غُرة هبطت دمعة حارقة على وجنته، هو يعشقها ولا يستطيع الإبتعاد، قلبه يئن يحثه على الذهاب إليها وسؤالها مرة أخرى، وعقله يمنعه من الإسترسال.

شعر بأنامل رقيقة تمسح دمعته برفق، رفع نظره فوجدها هي، صاحبة ذلك الألم الذي يجتاحه، كاد أن يتحدث ويقسو عليها؛ لكن شهقاتها العالية وبكاؤها منعه من الحديث بتاتًا، وقف من مكانه حتى أصبح يُواجهها، وما كاد أن يتحدث حتى وجدها تندفع لأحضانه تتوق خصره بقوة، تبعها حديثها المُترجي:
أنا أسفة، بس متسبنيش، أنا عيلة ومش قد كلامي ومقدرش أعيش من غيرك.

يقف الآن حائر لا يعلم ما عليه فعله، لقد تشتت كُليًا، فتارةً تُخبره برغبتها في الطلاق، وتارةً أخرى تتشبث به كالطفلة الصغيرة لا تريد تركه، وها هو مُذبذب الآن، رفع يده ببطئ ثم أحاطها، أغمض عينه يشعر بها وبإنفعالاتها، يخشى ذهابها وأن يكون كل ما يراه الآن ما هو إلا تخيلات من عقله الباطن، لكن حديثها الذي قطع تفكيره أكد له بواقعية الحدث:.

عدي، والله العظيم كل كلمة طلعت مني كانت من ورا قلبي، أنا مش بكرهك أنا بحبك، مقدرش أعيش من غيرك، مش عايزة أتطلق، عايزة أفضل معاك طول عمري، بس. بس أنا خايفة.
خايفة من إيه!
سألها بعد أن أخرج وجهها من بين أحضانه، ناظرًا لكل إنش بوجهها يتأمله عن قُرب، ليخرج صوتها المتحشرج ببكاء قائلة: خايفة تسيبني.

أغبية تلك أم ماذا! ألا تعلم أن بُعادها يقتله! وقُربها يُهلكه! فلا يجد الراحة في البُعد أو القُرب، مُعذب في كِلتا الناحيتان، ورغم ذلك مازال مُتشبث بها رغم أنف الجميع، مسح دمعاته بحنان مُتسائلًا برقة: وهسيبك ليه! هو فيه حد يقدر يبعد عن روحه!

خرجت من أحضانه وهي تفرك يدها بتوتر بالغ، تتلاشى النظر لعيناه ورغبتها في البُكاء والإنفجار تتزايد بقوة، لاحظ هو تشنجات وجهها الواضحة، وللحقيقة شعر بالقلق، خرج صوت «منار» باكيًا رغم كل محاولاتها بالثبات: أنا. أنا مش بخلف يا عدي.

وهُنا كانت الصدمة، علم سبب تغيرها المفاجئ ورغبتها في الطلاق، ورغم حزنه في تلك اللحظة؛ لم يُطيل الصمت حتى لا تظن بأنه يُريد تركها، لذلك اقترب منها مُحيطًا وجهها بحنان: وهو دا السبب التافه اللي خلاكي تطلبي الطلاق!

رفعت أنظارها تُحدجه بدهشة وصدمة رُسِمت على محياها، كانت تتوقع أن يحزن، يغضب، يثور، أو على الأقل أن يتركها ويذهب، لكنه عكس كل توقعاتها بحديثه الذي رمم فؤاده، استرسل حديثه قائلًا بعتاب: عيبك إنك غبية ومتعرفيش قيمتك في قلبي، رغم إني حاولت بكل الطُرق إني أحسسك إنك أغلى حاجة في حياتي، لكن برضه مقتنعتيش، أنا مش عايز أطفال، هعتبرك بنتي اللي مخلفتهاش، وهتبقي مراتي حبيبتي وضهري، وأمي اللي سنداني في عِز وجعي، أنا بحبك عشان أنتِ منار، مش عشان هتبقي أم لأولادي بعدين.

ارتعشت شفتيها ببكاء لا تُصدق ما تسمعه، لذلك سألته بتأكيد: ب. بجد يا عدي!
قبَّل جبينها بعاطفة جياشة، ثم احتضنها بعشق وصوته يعكس مدى حبه بها: بجد يا روح وقلب عدي، أنا بحبك ومقدرش أستغنى عنك، ولو في مرة حصلت مشكلة معاكِ هكون أول واحد واقف في ضهرك.
أحاطه سعيدة بما ألقاه عليها، ثم تحدثت بإبتسامة عاشقة: أنا بحبك أوي.
وأنا بموت فيكِ.

وصلت عائلة «أبو زيد» وكذلك عائلة «النويهي» بعدما علموا بإصابة فردين من العائلة، كذلك نُقِل «سليمان» إلى نفس الحجرة التي يقبع بها «إسحاق» بعد طلب وإلحاح كبير منه.
حدجهم «ريان» بإستنكار وهو يُمصمص على شفتيه: وكسة على تربيتك يا موسى أنت ومحمود، مخلفين عيال نُص كُم.

نظر له «موسى» بسخط، ثم نظر لإبنه قائلًا بحنق: عاجبك كدا يا فالح! أهو شمت فينا ريان.
في تلك اللحظة. دلف «مدثر وسليم» معًا، مُستمعين للحديث الأخير ب«موسى»، فأحاط «مدثر» بكتف أبيه قائلًا بمشاغبة: وماله ريان يا سي موسى! دا حتى قمر وبسمسم أهو.
ربت «ريان» على صدر ابنه ناظرًا له بفخر، تبعه قوله المتأثر: ابني وضهري وسندي.

حدجهم «موسى» بإستنكار، ثم عاد بنظراته المُشمئزة تجاه ابنه المُتسطح، متمتمًا له: خِلفة تعر وتجيب الفقر.
جعد «إسحاق» جبينه بضيق ناظرًا ل«مدثر» بغيظ: عاجبك كدا ياخويا أنت وأبوك! جايين تجيبوا ليا الكلام!

كادوا أن يُجيبوه، لكن قاطعهم صوت تأوه «سليمان» وهو يُمسك برأسه: آه يا دماغي ياني. يا خرابي على شبابي. دماغي هتنفجر يابا. هتولي دكتور. فيه ناس بتصوت في مخي يلهوي.
وقفت بجانبه «غزل» تنظر له بتأثر، ثم ربتت على كفه قبل أن تقول بحنان: معلش يا حبيبي، منهم لله اللي عملوا فيك كدا، أنت عشان بس طيب وغلبان اتكاتروا عليك.

توقف عن الولولة، ناظرًا لها بعين واحدة: لأ هو واحد بس اللي عمل فيا كدا.
أكدت على حديثها رغم ذلك متشدقة: يبقى غلبان وأهبل مفيش مشكلة يا ضنايا.
تركت «ميادة» مكانها جانب والدها، ثم التفت حول فراش «سليمان» قائلة له برقة: ألف سلامة عليك يا سليمان.
أجابها بإبتسامة بشوشة: الله يسلمك يا ميمو، أومال فين أختك!

انمحت بسمتها بعد سؤاله عن شقيقتها، ثم أجابته بنبرة مُهتزة تعكس آلامها: تحت كانت بتجيب حاجات وجاية.

حدجتها «لوچي» بحزن لمعرفتها بحب «ميادة» ل«سليمان» والذي لم يُلاحظ بعد، ذهبت لتقف بجانبها مُمسكة بيدها بمؤازرة تشد من مؤازرتها، ثم رمت لها بسمة طفيفة داعمة، عضت «ميادة» على شفتيها تمنع ذاتها من البكاء، تشعر بوجود مشاعر ما بين شقيقتها و«سليمان»، وإن حدث ذلك ستنهار بالتأكيد.

في تلك الأثناء دلفت «زينب» وبيدها الكثير من الحقائب البلاستيكة ناظرة للجميع بمرح، فوقع نظرها على «سليم» الذي يقف بثبات جانب «مدثر»، بعدما ألقى التحية على الجميع، صفرت بإعجاب مُبدية عن إعجابها به أمام الجميع بوقاحة: مُز عيلة الراوي موجود هنا بين عائلتي المتواضعة!

لوى «سليم» ثغره مُبينًا عن ابتسامة صغيرة صعدا منه، بينما عنفها «شهاب» صارخًا: بت! أنتِ اتجننتي! مش ماليين عينك ولا إيه!
مطت «زينب» شفتيها بضجر نافخة بسخط، ثم دلفت واضعة الحقائب بين الفراشين الخاصين ب«إسحاق وسليمان»، تلاها قولها المُتذمر: في إيه بس يا بابا الله! وبعدين ما هو اللي كل أوفر يعني.

مال «محمود» على أذن «ميران» قائلًا بمشاغبة: البت دي المفروض تكون بنتك، دي مشافتش تربية.
رفعت حاجبها بإستهجان مُجيبة إياه: قصدك إني مكنتش متربية!
تصنع الصدمة متحدثًا: استغفر الله العظيم! مين اللي قال كدا دلوقتي بس!

حدقته بغلظة ثم تجاهلته مُتابعة ذلك الشجار بين الأب وابنته والذي كاد أن يحتدم بسبب وقاحة «زينب» التي لم تنتهي، لذلك قرر «مدثر» التدخل مُهللًا بصياح: كبرتوا الموضوع والله يا جماعة، سليم أصلًا كتب كتابه الأسبوع الجاي.
نظرت إليه «زينب» بصدمة قائلة دون وعي وهي تُوجه حديثها ل«سليم»: عشمتني وخليت بيا يابن الغدارة!

بادلها النظرات ببرود، ثم أردف بتهديد مخفي خلف حديثه: تعرفي لولا إن والدك وعيلتك واقفين أنا كنت خرستك خالص.
ابتلعت ريقها بتوتر من نظراته المتوعدة، فاستمعت إلى صوت «سليمان» المرح يهمس لها: أحسن أحسن، عشان أنتِ مُهزقة.
حدجته بسخط واضعة أصابعها على جُرح رأسها تضغط عليه بخفة: اسكت أنت خالص بدل ما أخرشملك وشك مع دماغك الحلوة دي.

تأوه «سليمان» بقوة واضعًا يده على رأسه موضع ضغطتها وهو يصرخ: آاااه منك لله يا مفترية يا بنت الظالمين.
هرولت إليه «ميران» بخوف جالسة بجانبه، ثم احتضنه ناظرة ل«زينب» صارخة عليها بشراسة: منك لله يا مفترية يا ظالمة، مالك أنتِ بإبني البسكوتة، هو عشان أهطل ولا بيهش ولا بينش تستهيفوه كدا!

خرج «سليمان» من أحضان والدته ناطقًا بصعوبة: روحي ياما لبابا عايزك في كلمتين، أنا مش ناقصك الله يكرمك.
قهقه الجميع بمرح على تلك المشاكسة التي تحدث بين أبناء العائلة، عائلتهم المرحة تصنع جوًا مُريحًا يبث الإطمئنان للأنفس، وهذا ما يحتاجه الجميع، جو أُسري مليء بالمحبة لا البُغض.

مرَّ اليوم بسلام وجاء اليوم الذي تلاه، فتجمع الشباب جميعًا بغرفة «سليمان وإسحاق»، تجمع «مدثر وسليم وعدي وسليمان وإسحاق» يتحدثون بمواضيع مختلفة، حتى قاطعهم دخول «رياض» ابن عم «سليم» متحدثًا بمرح: أنا آخر حاجة كنت أتوقعها إني أشوفكم بالمنظر المُهين الذليل الحقير دا يا صحابي والله.

تحدث «إسحاق» بسخرية لاويًا شفتيه: بعد الكلام دا متقولش صحابي تاني، أنا هقطع علاقتي بيك أساسًا.
سحب «رياض» مقعدًا جالسًا جانبه مباشرةً، ثم تحدث بعتاب مصطنع: اخس عليك يا قاسي، ويهون عليك قلبي!
أجابه «إسحاق» بإشمئزاز: جتك وجع في قلبك يا بعيد.
تحدث تلك المرة «سليمان» وهو يسأل «مدثر وسليم» ومعًا: ها! برضه مش هتقولوا كنتوا فين إمبارح سوا!

تأفف «سليم» بضجر قائلًا: يابني أنت ليه مصمم إن احنا كنا في مكان!
أجابه ببساطة: أصل أنت ومدثر مستحيل تتجمعوا على حاجة خير أبدًا، فأنا مش هسيبكم غير ما تعترفوا.
لم يجدا مهربًا من الحديث، لذلك روى لهم «مدثر» ما فعلوه كاملًا من ضربهم لهؤلاء الأوغاد، وإتيانهم بحق «إسحاق» المُستبد.

انتفض «إسحاق» من مكانه موبخًا إياهم بعصبية: انتوا بتقولوا إيه! انتوا بتستهبلوا!
أكد «سليمان» على حديثه من فعلتهم المتهورة والتي كانت من الممكن أن تقضي عليهم لكثرة عدد الآخرون: قولهم.
ليسترسل «إسحاق» توبيخه بهم بعصبية مفرطة: كنت عايز آجي معاكم.
قوله. إيه!
نطقها بصدمة، ثم أكمل قائلًا: أنت أهبل ياض ولا مرضعينك برسيم! هو إيه اللي كنت عايز تروح معاهم!

هُنا وتحدث «عدي» حانقًا: طيب مكلمتونيش ليه! انتوا عارفين إني بحب الخناق.
غمز له «رياض» بمكر قائلًا: هيبقى فيه خناقة تانية يا ولا بس الصبر.
حوَّل الجميع أنظارهم إليه مُنتظرين منه تفسيرًا منطقيًا لحديثه، فكان «سليم» أول من يسأله بتعجب: خناقة تانية!
أكد «رياض» برأسه متمتمًا بخبث: أيوا خناقة، ما هو أكيد مش هتاخدوا حق إسحاق ونسيب حق سليمان الغلبان دا!

هُنا وصمت الجميع. وقد تكون ألسنتهم قد توقفت عن الحديث، لكن عيناهم تحدثت بالمكر والخبث، وإبتسامة شيطانية ترتسم على ثُغر الحاضرين، إبتسامة يأتي بعدها الهلاك!

جاء اليوم الذي وعدها به بالتنزه سويًا، كم كان قلبها يرقص فرحًا في تلك اللحظة، ارتدت «غزل» فستانًا بسيطًا للغاية من اللون الأسود، ويعلوه حجابًا من اللون النبيذي، كم تعشق هذان اللون للغاية، انتهت من إرتداء حجابها، وما كادت أن تلتفت حتى استمعت إلى تصفيرًا حارًا يأتي من خلفها بإعجاب.

استدارت وعلى محياها يرتسم بسمة مُحبة وبعضًا من الخجل يكسوها، فرغم ما مر من سنوات كثيرة، إلا أنها تشعر بالحرج من وقاحته الدائمة معها، اقترب منها «ريان» ينظر لها بعبث وهو يقول: كل يوم بتحلوي أكتر من اللي قبله يا غزالتي، حتى الشعرتين البيض اللي في شعرك دول زايدينك حلاوة.

يا الله! كم يروقها غزله بشدة، تشعر بأنها فراشة وتُحلق عاليًا معه فوق السحاب، معه هو فقط! أخفضت بصرها مُتمتمة بصوت خفيض ترد على حديثه: ربنا يكرمك والله.
تجمدت ابتسامته لوهلة، فكز على أسنانها وهو يُمسكها بغيظ من كف يدها: يلا نمشي يا غزل بدل ما أرتكب جريمة دلوقتي.

كتمت ضحكتها بصعوبة، ثم سارت معه دون الحديث بكلمة واحدة، هبطا للأسفل ثم صعدا لسيارتهم وطيلة الطريق وهي تكتم بسمتها التي تظهر من الحين للآخر على ملامح وجهه المُمتعضة.
لاحظها «ريان» بطرف عينه، ورغمًا عنه تشكلت إبتسامة خفيفة على شفتيه قائلًا بضحك: قوليلي أعمل فيكِ إيه بس! بعد أكتر من عشرين سنة جواز تقوليلي ربنا يكرمك لما أعاكسك!

صدحت ضحكاتها عاليًا تلك المرة ولم تستطيع إخفاؤها، ثم أردفت من بينها: يا ريان ما أنت عارف إني بتكسف الله!
قولي كدا الله تاني!
ضحكت بخفة مُكررة كلمتها بغنج مقصود، ليُهلل هو بصخب: صلاة النبي أحسن، بقولك إيه بلاها دي خروجة وتعالي نرجع بيتنا حبيبنا.
جعدت جبينها بضيق ثم أردفت بنفي: لأ طبعًا هنخرج يعني هنخرج.
طيب طيب. يا ساتر دا أنتِ عدوة الرومانسية.

بعد نصف ساعة، كانا يقفان أمام أكبر المحلات لبيع طواجن المعكرونة والكشري في المدينة، نظرت «غزل» ل«ريان» قائلة بريبة: يارب ما يكون اللي في بالي صح.
لم يُعير «ريان» لحديثها أي إهتمام، ناظرًا حوله للمكان المُزدحم بإبتسامة واسعة، ثم عاد بأنظاره لها يسألها بحماس: ها إيه رأيك في المُفاجأة!
هي دي المفاجأة بجد!
سألته بهدوء بعدما لمحت حماسه، فهز رأسه مؤكدًا: أيوا إيه رأيك!

نظرت حولها مرة أخرى فوجدتها فكرة لطيفة لا بأس بها، رسمت إبتسامة رقيقة على محياها بعدما تملك الحماس منها هي الأخرى، ثم أجابته بفرحة أسعدته للغاية: مفاجأة قمر من واحد قمرين أقسم بالله.
اقترب على بغتة قائلًا بوقاحة: ما تجيبي بوسة.
همست له بتحذير وهي تنظر حولها: بس يا ريان الناس هتاخد بالها.

ابتعد عنها حتى لا يُزعجها، لكن مازالت نظراته العابثة تُحيط بها، بل وتجعلها تشعر بالتوتر أيضًا، دلفا للمطعم ليجلسا على إحدى الطاولات المُتفرغة مقابل بعضهما البعض، أتى إليهم الجرسون فأملوه طلبهم، وبعد وقت قليل جاء إليهم حاملًا طلبهم ثم وضعه أمامهم، رفع «ريان» الغطاء من أمامها أولًا، ثم تحدث بحماس: هتدوقي دلوقتي أحلى طاجن مكرونة باللحمة.

حملت الشوكة بين يدها قائلة بضحك: إما نشوف يا سي ريان.
وضعت الشوْكة بالطبق ثم حملت به قطعة المعكرونة وبها العديد من قطع اللحم المفروم، تذوقته بتمهل وهو فقط ينظر إليها بإنتباه ينتظر تقييمها، أخرجت ترنيمة من بين شفتيها تُوحي بلذتها بما تذوقته، لتتسع إبتسامته بعد قولها الأخير: اممممم لذيذة بجد.

وكأن قلبه قد ارتاح لإعترافها، فحمل شوكته هو الآخر يبدأ في تناول طعامه هو الآخر، ليمر الوقت ما بين تغزل «ريان» بها تارةً، ومرحه تارةً أخرى، وكم سعدت هي للغاية حقًا، فيكفي وجوده فقط جانبها.
انتها من الطعام، ثم خرجا من المطعم بأكمله، كادت أن تصعد للسيارة فأوقفها هو مُمسكًا بكف يدها: لأ استني مش هنروَّح دلوقتي، تعالي نتمشى شوية.

وافقت وكانت أكثر مُرحبة بإقتراحه هذا، سارا بجانب بعضهما يتبادلان الأحاديث سويًا، فوقف «ريان» ناظرًا للناحية الأخرى فجأة، ثم قال وهو يُشير لشخص ما: فيه واحد بيبيع تين شوكي هناك أهو، تعالي ناكل منه.

قفزت بسعادة ثم ذهبت معه مُسرعة حتى وصلا لذلك العجوز الذي يبيع التين الشوكي، أخرج «ريان» بعض النقود من جيب بنطاله، ثم أعطاها له قائلًا بود: لو سمحت يا عمي قطعلنا تين على زوقك بقى، وزي ما يجوا.
أومأ له العجوز راسمًا على وجهه إبتسامة بشوشة صائحًا بصوت عالي: ياما كانوا الأحباب كتير بس أحسنهم اللي بيوفي بالوعد، يا رب ديم حبهم وزوده.

نظرا لبعضهم ولمعة أعينهم تعكس مدى عشقهم، وكأن ذلك العجوز يصف حالتهم، لقد مروا بالكثير والكثير، ورغم ذلك لم يبتعدوا يومًا، ظلت جملة ذلك العجوز تتردد في أذانهم كانوا الأحباب كتير بس أحسن اللي بيوفي بالوعد، وهم وفوا بالوعد، بل وحافظوا عليهم كأكسير الحياة بالنسبة لهم.
قاطع حديث النظرات صوت العجوز الذي يمد يده بما طلبوه: اتفضلوا يا حبايبي.

أخذه منه «ريان» بعدما أفاق من حالة الوله التي تلبسته، ناظرًا إليه بإمتنان، والرجل يُناظره ببشاشة ترتسم على وجهه المُجعد.
ابتعدا كلاهما ثم بدأوا بتناول التين الشوكي بكل حب وإستمتاع، وها قد دُونت لحظة أخرى لن تُنسى طيلة حياتهم القادمة والمُتبقية.

خرج الأربع شباب من المشفى عنوة عن جميع الأطباء، بعدما افتعلوا الكثير من المشاكل والشجارات للذهاب، فلم يجدوا حلًا سوى تركهم رغم ما بهم من كدمات وكسور شديدة، صعد «أشرف» سيارته بصعوبة وبجانبه أحد أصدقائه المُهشمين، زمن خلف صديقاه الأخران يُعانون بنفس الطريقة، فلقد استوصى بهم كلًا من «سليم ومدثر» وضربوهم بكل غل.

تحدث أحدهم وهو يتسائل بألم: ها يا أشرف ناوي على إيه! هنسيب العيال دي كدا!
جز «أشرف» على أسنانه بحقد، قائلًا بوعيد: لأ أسيبهم دا إيه، ورحمة أمي لهحسرهم على واحد فيهم وهخليهم يبكوا بدل الدموع دم.


look/images/icons/i1.gif رواية 🎭 حين يتحوّل العشق إلى معركة 🤣 حب يجرح.. ونعال يطير: يوميات أسرة خارج السيطرة
  21-09-2025 06:11 مساءً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 28-07-2025
رقم العضوية : 9
المشاركات : 62
الجنس :
قوة السمعة : 10
مرَّ عشرة أيام تحسنت فيهم صحة كُلًا من «إسحاق وسليمان»، وجاء موعد فك جبيرة اليد الخاصة ب«إسحاق»، بعدما أكد له الطبيب أن كل ما كان لديه هو مجرد خدوش عميقة قليلًا كانت تحتاج للعناية، وكذلك قام «سليمان» بفك ما على رأسه بعدما تعافى منها تمامًا.

وها قد جاء اليوم المُنتظر لمدة ثمانية وعشرون عامًا، موعد عقد قِران كُلًا من «مدثر ولوچي»، لا يُصدقان أن هذا اليوم قد جاء بعد عَناءٍ طويل، تلك السنوات التي قضوها معًا قد تبدو للجميع بأنها مجرد أيام عادية مرت، لكن بالنسبة لهم؛ قد كانت حياة.

جلس «مدثر» أمام «فارس» الذي يُمسك بكف يده، وبالمنتصف يجلس المأذون الذي سيقوم بعقد قِرانهم، كاد أن يبدأ بحديثه التقليدي، لكنه صمت عندما سحب «فارس» يده من يد «مدثر» مُتحدثًا برفض: لأ أنا مستحيل أجوَّز بنتي لواحد باسها وهي صغيرة.

تشنج وجه «مدثر» بإستنكار وهو يُطالع «فارس» المُربع لذراعيه، ثم تحدث بسخط: جرا إيه يا عمي! أنت مش جاي تفتكر إني بوستها غير دلوقتي!
أجابه بعناد مُشيحًا بوجهه للناحية الأخرى: أه. وهو دا اللي عندي إذا كان عاجبك، معنديش بنات للجواز.

هبَّ «مدثر» من مقعده ليقف قبالته مباشرةً، ثم أمسك بيده كالطفل الصغير وهو يُتمتم: يلا يا عمي، يلا يا حبيبي عشان أكتب كتابي على بنتك وبعدين ابقى اعمل اللي أنت عايزه.
نفضَّ «فارس» يده منه، ثم تحدث بحدة: أنت كمان بتاخدني على قد عقلي! يعني أنت مش محترمني! طيب طلق بنتي، طلق بنتي بقولك!

لطم «مدثر» على وجهه قائلًا بحسرة: وهو أنا اتجوزتها لسه عشان اطلقها! يا عمي الله يهديك يلا.
أصرَّ «فارس» على قراره رافضًا زواج ابنته وابتعادها عنه: لأ يعني لأ، أنا بنتي مش هتبعد عن حضني أبدًا.

يأس «مدثر» من إقناعه بطريقة تُرضي الجميع، لذلك ذهب ليقف جانب «لوچي» المُتابعة لهم بضحك، ثم أردف يُوجه حديثه ل«فارس» بتهديد صريح: هتجوزني بنتك ولا أبوسها قُدام الكل وتبقى فضيحة بجلاجل! والله أفضحك وأبوسها ونتمسك أداب ونتحبس في زنزانة واحدة، وقتها بقى هعمل اللي أنا عايزه.

فتح «فارس» عيناه على آخرهما، بينما الباقون مُنفجرون في الضحك على تلك المُشاجرة، والتي تحدث دائمًا بين «فارس ومدثر»، صاح «فارس» بصراخ وهو يسأله بغضب: نعم! يعني أنت ناوي تبوس بنتي بعد ما تتجوزها!
أجابه «مدثر» بسخرية: لأ هنلعب تِنس متقلقش.

وبعد محايلات ومُجادلات من الطرفين، خضع «فارس» أخيرًا جالسًا على مقعده مرة أخرى، وقبالته يجلس «مدثر» الذي يُحاول إدعاء الإحترام بقدر الإمكان.

بدأ المأذون بإلقاء الكلمات على آذان الجميع المُتابعين للمشهد بإبتسامة سعيدة واسعة، وها هو بِكر العائلتين يتزوج من حبيبته منذُ الصِغر، بينما «لوچي» تُحاول التحكم في دموعها، تنظر إليه بكل حب وعشق داخلها، وها قد حانت اللحظة التي ستُكتب بها على اسمه، سيتزين اسمها وتكون «لوچي مدثر ريان الطحاوي».
انهي المأذون كلماته قائلًا: بارك الله لكما وبارك عليكما وجميع بينكما في خير.

وما إن أنهي حديثه؛ حتى جذب «إسحاق» المنديل الأبيض بسرعة البرق، مُتحدثًا بضحكة مرحة: عقبالي بعدك يا نِمس.
قهقه «مدثر» بخفة، فذهب «إسحاق» لإحتضانه مُربتًا على ظهره: مُبارك يا حبيب أخوك، عقبال الفرح يا رب.
أجابه «مدثر» بود: حبيبي يا جدع واللهِ.
جاء دور «سليم» الذي قام بإحتضانه هو الآخر، ثم أردف بمرح: يكش نبطل قِلة أدب بعد كدا بقى.

أطلق «مدثر» ضحكات عالية، ثم غمز له مُشاكسًا: عيب عليك لما تقول كدا، أنا طول عمري محترم.
قام «مدثر» بالرد على التهاني والمُباركات من الجميع، حتى جاء دور والده والذي يُحدجه بتأثر، ذهب إليه «مدثر» ثم قبَّل يده بحب شديد، وبعدها احتضنه بقوة.
خرج صوت «ريان» متحشرجًا من جوفه: كبرت امتى يا حيوان! كدا هتعجزني بدري بدري.

ضحك «مدثر» بخفة، مُغمضًا عيناه براحة ومازال في أحضان والده، وكأنه في كل مرة يُعانقه بها؛ يشعر بأنه ذلك الطفل الصغير الذي يحتاج لوجود والده بجانبه دائمًا، ليُقسم بأن والده سيظل هو بطله الأول والأخير.
دفعت «غزل» زوجها قائلة بضجر: ما خلاص يا ريان عايزة أحضن الواد! أنت هتاخده مني ولا إيه!

قهقه «مدثر» بمرح، ثم احتضنها بحب قائلًا بمرح: محدش يقدر ياخدني منك يا غزالة يا قمر.
حاوطته «غزل» وتجمعت الدموع بمقلتاها بكثافة، مُتحدثة ببكاء: كِبرت واتجوزت يا مفعوص، هتفضل أول فرحتي في الدنيا حتى لو مكنتش من لحمي ودمي، بس في الآخر أنت ابني.

حديثها أثر على الجميع، وعليه هو تحديدًا، تذكر معاناتها معه، وإهتمامها به، وخوفها عليه، ومرت ذكرياته معها كشريط سينيمائي يُعرض أمامه، تحدث بتأثر وحب واضح لتلك المرأة التي أفنت حياتها في تربيته هو وشقيقته:
وأنتِ أحسن وأجمل أم في الدنيا، ربنا يديم وجودك ليا أنتِ وبابا.
خرجت من أحضانه عندما استمعت لصوت «لوچي» المتذمر: يعني بدل ما تحضني أنا رايح تحضن عيلتك! دي مش جوازة بقى يا جدع.

ترك «مدثر» الجميع يضحكون، ثم اقترب منها بعبث، ونظرات المكر تتقازف أمام عيناه، مُردفًا بخبث: أنا مش هحضنك بس يا روحي.
وقف قبالتها مباشرةً، لتقول بنفس العبث والوقاحة وهي تضع يدها موضع قلبه: أومال هتعمل إيه تاني يا حياتي!
أخفض وجهه لمستوى وجهها مُقتربًا منها ببطئ، ثم أردف بصوت خفيض ماكر: هقولك بس لما نكون لوحدينا.

كل ذلك وكانت جميع العائلة تتابعهم بصدمة، هذان الأحمقان لم يتم تربيتهم بشكل صحيح، وقحان بدرجة لا تُصَدق، حديثهم العابث والوقح أوقف رؤوسهم عن العمل بطريقة صحيحة، وأول مَن استفاق من غيبوبته كان «فارس»، الذي صرخ به ينهره بحدة: أنت يا ولد يا سافل يا قليل الأدب، ابعد عن البت يلا بدل ما أشرحك.

اعتدل «مدثر» في وقفته مُبتعدًا عن «لوچي» قليلًا، فوضع يد بجيب بنطاله الأسود، واليد الأخرى أمسك بيدها هي بكل تملك، غامزًا ل«فارس» بعبث، قبل أن يأخذ «لوچي» ويخرج من المنزل بأكمله:
بقت مراتي يا حمايا اللذيذ، عن اذنكم بقى عايز مراتي في كلمتين.

قال جملته ثم أخذها من وسط الجميع وغادر بها هابطًا إلى الأسفل، صاح به «فارس» يُناديه بغضب: خُد ياض واخد البت ورايح على فين!
كاد أن يذهب خلفه، لكن أوقفه «ريان» المُنهمك في الضحك على تصرفات ابنه: خلاص بقى يا فارس متبقاش قِفل كدا! وبعدين متقلقش هو هياخدها ويروحوا يتعشوا في مطعم سوا.
جعد «فارس» جبينه بسخط وهو يُجيبه: هو إيه اللي مقلقش! ابنك سافل يا ريان.

أجابه «ريان» بسخرية وهو يلوي شفتيه بإستنكار: على أساس إن بنتك من أولياء الله الصالحين! ما هي زيه يا حبيبي، يعني حَلَّة ولقت غطاها.
كانت «ميادة» تُتابعهم بشرود، فانسلتت من بينهم واتجهت إلى شُرفة المنزل المُطلة على الشارع تنظر أمامها بدون تركيز، وعقلها يدور ويطرح آلاف الأسئلة، وهي لا تجد إجابة سوى الصمت.

شعرت بخطوات من خلفها تتجه ناحيتها، فنظرت بهدوء لصاحب تلك الخطوات، فوجدته هو، «سليمان» يتجه إليها بإبتسامة واسعة مُمسكًا بيديه كوبين من الشاي بالنعناع، وضع الأكواب على الطاولة ثم وقف قبالتها قائلًا وهو يُشير للطاولة: كوبايتين شاي بالنعناع بس إيه مزاج يا بت دودي.

رسمت إبتسامة خفيفة على ثغرها وهي تُحاول قدر الإمكان عدم النظر إليه حتى لا تفضح عيناها أمر عشقها الخفي له، أمسك بكوب من الشاي ماددًا يده إليها: اتفضلي يا ستي.
أخذته منه تشكره بصمت، ثم ارتشفت منه القليل ولم تتحدث، لذلك بدأ هو حديثه الخافت: أقولك سِر وتساعديني فيه بس متقوليش لحد؟
انقبض قلبها خوفًا، تشعر بأن الحديث القادم لن يُعجبها، لا هي ولا قلبها، ورغم ذلك تسائلت بإرتعاش: سِر إيه؟

نظر «سليمان» حوله يتأكد من خُلو المكان من أي فرد من أفراد عائلته، فتوقف بنظراته عليها وهو يُجيبها بخفوت: موضوع خاص بأختك زينب.
حاولت السيطرة على دموعها بقدر الإمكان، هي بأي لحظة ستنفجر في البكاء حقًا، تشعر بقوتها تخفت تدريجيًا، لكن مع حديثه الأخير حدجته بصدمة ظهرت واضحة على محياها:.

فيه واحد صاحبي مُعجب بزينب، وهو بصراحة محترم جدًا، وطلب مني إني أفاتح عمي شهاب بس مش بلاقي فرصة مُناسبة أفاتحه فيها.
رمشت عدة مرات تنظر له ببلاهة، تُحدج به وكأنه كائن فضائي غريب المظهر، ما هذا الهراء! لقد ظنت بأنه سيعترف بعشقه لشقيقتها! لكن ذهب كل هذا هباءً الآن، ألا يُحبها مثلما كانت تظن!

لحظة، والثانية، وكانت تنفجر في البُكاء المرير، هي تكرهه. بل تحبه، لِما جعلها تعيش ذلك الشعور السئ! هو نذل وحقير وأحمق، هكذا همست داخلها وهي تستكمل وصلة بكاؤها.
بينما هو كان ينظر لها بصدمة شديدة، لا يعلم ما عليه فعله، لما تبكي الآن! ماذا قال هو لتنفجر هكذا دون سابق إنذار، خرج صوته تائهًا وهو يسألها بقلق: مالك يا ميادة! بتعيطي ليه!

وضعت يدها على وجهها تُخفي وجهها، فتحدثت بصوت مكتوم من بين شقهاتها: أنا بكرهك، أنت حيوان، وحقير، و...
قاطعها وهو يُشيح بيده أمام وجهها بضجر: لأ حيلك حيلك، مالك يا بت أنتِ! أنتِ دماغك تعبانة!
ظلت تبكي قليلًا حتى هدأت شهقاتها تمامًا، وهو فقط يُتابعها بشعور ما بين الضجر والقلق عليها، أراد التخفيف عنها لذلك تحدث بمزاح: ميادة أنتِ مريضة نفسيًا! يعني بني آدمة بكامل قواكِ العقلية!

توقفت عن البكاء ناظرة له بحدة، ثم مسحت دموعها مُجيبة إياه بقوة: وأنت مالك أنت!
أجابها بردح: مالي في جيبي يا روح خالتك، لأ بقولك إيه اقفي عِوج واتكلمي عِدل، بدل ما وربي أجيبك من شعرك.
قهقهت بخفة عليه، وهي تمسح أثار دموعها المُتعلقة بأهدابها، أمسكت بكوب الشاي الذي وضعته عندما بدأت في البُكاء، ثم ارتشفت منه القليل لتُسيطر على ذاتها، استدارت له عندما سألها بهدوء: مالك يا ميمو؟ كنتِ بتعيطي ليه!

حمحمت بحرج ولا تعلم بما تُجيبه، أتُخبره أنها كانت تبكي لسعادتها! سيقول أنها بلهاء بالتأكيد، لذلك هزت رأسها بنفي راسمة على ثغرها إبتسامة لطيفة: ولا حاجة متشغلش بالك، أنا كويسة.
يابت قوليلي دا أنا ستر وغطا عليكِ، قولي قولي، ما هو أنا مش هسيبك غير لما تتكلمي.

ضجرت من كثرة حديثه فحدقت به بإستنكار، وكادت أن تخبره بأنها تمر بفترة عصيبة فقط، لكن غيرت خطتها وقررت إخباره بمشاعرها ولكن بطريقة غير مُباشرة، سحبت نفسًا عميقًا ثم زفرته على مهل، ثم بدأت حديثها ب: بحب واحد من فترة كبيرة، وهو حلوف مش بيحس.
ركَّز على حديثها مُوليًا كامل انتباهه لها، فتحدث مُشجعًا إياها على الإكمال: وبعدين؟

استرسلت حديثها مُحيطة بالكوب تمتص منه دفئه وهي تتحاشى النظر إليه: مش عارفة إذا كان بيحبني ولا لأ، خايفة يكون بيحب واحدة تانية غيري، خايفة يروح مني.
أجابها ببساطة وهو يهز كتفه بلامبالاة: خلاص روحي اعترفي ليه.
رفعت بصرها إليه بصدمة تُحدجه بإستغراب شديد، هذا ليس حديث «سليمان» أبدًا، فشخصيته غيورة على فتيات عائلته لأقصى درجة، ماذا تغير الآن يا تُرى!

انتبهت له عندما أكمل حديثه بحماس: بصي هنعمل برو ا، اعتبربني أنا حبيبك المجهول دا واعترفي ليه بِ حُبك.
طالعته بصدمة ثم هزت رأسها بنفي: بطَّل هبل يا سليمان إيه اللي أنت بتقوله دا؟
أصرَّ عليها بشدة مُحاولًا إقناعها: يلا بس. أنا بحاول أساعدك.
رفضت ما يقوله مُغمضة عينها بقوة وهي تهز رأسها بنفي: لأ لأ مش هعمل اللي بتقول عليه دا.
يا بنتي متبقيش نكد كدا، أنا بحاول أسهَّل عليكِ الموضوع.

ومع إصراره الشديد وافقت على مضض، بينما هو اتسعت ابتسامته بشدة وهو يُصيح مُهللًا: أيوا كدا شطورة، يلا ابدأي.
شعرت بالتوتر، بالتخبط، بالخوف، والخجل، ورغم أنها على علم بعدم معرفته بشئ، إلا إنها تشعر بالحرج منه وكأنه يعلم، خرج صوتها مُتلعثمًا وهي تردف بإرتعاش: ب. ب. بحبك.
وأنا كمان.

أجابها على بغتة وها قد تحولت نظراته تمامًا، من الحماس، إلى أخرى عاشقة، شُلت أطرافها، وتصلب جسدها مكانه بعدم تصديق، تعلم بأن هذا من ضمن الخطة التي يتبعها، لكن كان لتأثيرها أثرًا غير متوقع على قلبها المسكين.
اقترب هو منها غير مُبالي بحالتها، ثم همس بجانب أذنها بخبث بما جعل أطرافها ترتعش: مش عيب عليكِ لما تحبيني الحب دا كله وتخبي عليا وعلى قلبي المسكين دا؟

ثَقُل تنفسها وشعرت بالدوار يجتاحها، انقبض قلبه عندما رأى ترنحها، فسحب الكوب من يدها قبل أن يسقط منها قائلًا: يلهوي الكوباية هتنكسر!
طالعته بسخط وهي تُحاوا بقدر الإمكان السيطرة على الدوار الذي أصابها، فخرج صوتها ضعيفًا خافتًا: هو. هو أنت قولت إيه أصل أنا مسمعتش.
تحولت نظراته للخبث، ثم تشدق وهو يُحدجها بهيام: بقولك إني بحبك يا بنت شهاب، بحبك ومحدش سمَّى عليا.

صمت «سليمان» قليلًا مُتابعًا إنفعالات وجهها، ثم استكمل حديثه قائلًا: كنت مفكرك مبتحبنيش وعشان كدا كنت ببين عكس اللي حاسس بيه، بس ربنا يباركله اللي رجعني لدماغي، وقالي إنك كمان بتحبيني وأنا مش حاسس.
كل تلك الإعترافات كثيرة على قلبها، لم تُجيبه، ولم تجد ردًا سوى الهروب، هربت من أمامه ومن نظراته التي تُعريها أمام نفسها، تابع أثر ذهابها بإبتسامة والهة، واضعًا يده موضع قلبه النابض بإسمها.

شعر بكف غليظة تُوضع على كتفه، فإستدار ليجده «إسحاق» يُطالعه بإبتسامة سعيدة واثقة: مش قولتلك إنها بتحبك!
احتضنه «سليمان» بسعادة مُهللًا بفرح: روح ربنا يباركلك يا شيخ، دا انا كنت معمي ومش شايف قدامي.
بادله «إسحاق» العناق مُردفًا بمزاح: عشان أهبل، البت باين عليها بتحبك وأنت غبي وعامل نفسك أهبل.

ابتعد عنه «سليمان» ثم قال بإبتسامة واسعة: أنا هروح أفاتح عمي شهاب في موضوعنا وإني عايز اتقدم لميادة في أقرب وقت.

وصل كُلًا من «مدثر ولوچي» إلى أحد المطاعم الراقية الموجودة بالمدينة، ترجل «مدثر» أولًا من سيارته، ثم التف للناحية الأخرى ليفتح بابها لها بلطف، أمسك بكف يدها يُحثها على الهبوط.

أمسكت باليد الأخرى بفستانها الكريمي الواسع من الأسفل، ثم رفعته قليلًا عن مستوى قدمها ثم هبطت من السيارة، ابتسامة عاشقة ارتسمت على ثغره للمرة الأولى بعد الألف عندما رأى هيئتها الخاطفة، لقد سلبته للمرة التي لا يعلم عددها، وبكل مرة يقع صريعًا لهواها.
خرج صوته مُنهكًا من عشقها: مش معقولة كل مرة أبصلك فيها أحبك أكتر من الأول كدا!

أحنى ذراعه قليلًا، فوضعت هي يدها بين ذراعه ليُحيطها، ثم دلفا للداخل لبدأ تناول عشائهم، وصلا للطاولة الذي احتجزها منذ عدة ساعات، فأبعد كرسيها لتستطيع الجلوس عليه.
مرت نصف ساعة تناولا فيها طعامهما، وتبادلا فيها الأحاديث العاشقة، وها قد جاءت فرصته للتعبير عن شغفه بعد أن أصبحت حلاله، عَلىَ صوت الموسيقى فأخذها من يدها ثم وقف بالمنتصف يُراقصها أمام الجميع.

خجلت هي لفعلته خاصةً عندما أحاط بخصرها وبدأ بالميل على ألحان الموسيقى الهادئة، تحدث بصوت خفيض حرج: مدثر مينفعش كدا الناس بتبص علينا.
أمسك بيدها التي ترتدي بها دبلتها، ثم قبَّل موضع خاتم زواجهما قائلًا بعشق: ودي لازمتها إيه! خلي اللي يتفرج يتفرج، دلوقتي مفيش غيري انا وأنتِ وبس.

ارتسمت ابتسامة خفيفة على محياها وقررت التماشي مع جنونه، فيكفي ما يظهر بعينه تجاهها، لا يخجل من إظهار حبه أمام الجميع، أغمضت عينها بإستمتاع عندما استند برأسه على كتفها، تلاه همسه المُحِب لقلبها: بحبك، ولو فيه كلمة توصف إدماني بيكِ فأنا بعشقك.
أجابته بذاتِ الشغف وذاتِ العشق: وأنا بموت فيك.

تغيرت الموسيقى وجاء بدلًا منها أغنية تصف حالتهم تمامًا، جعلتهم يهيمون أكثر، لكن لم يصمت «مدثر» عند ذلك، بل قام بالغناء معها يُوجه لها كل كلمة تُقال:
وماله لو تُوهنا بعيد وسيبنا كل الناس...
أنا يا حبيبي حاسس بحب كبير، ماليني دا الإحساس.
وأنا هنا جمبي أغلى الناس، جمبي أغلى الناس.
حبيبي ليلة! تعالى ننسى في اللي راح، تعالى جوا قلبي وارتاح...

انتهت الأغنية ومعها استمعا لتصفيق حار من جميع الموجودين، بل وجميع هواتفهم موجهة ناحيتهم تُسجل رقصتهم سويًا، لقد رأوا ذلك الحب المُشيد والمنسوج بين قلب الإثنان، عشقهم يظهر للعِيان، وتناسجهم يُوضح هيامهم.
عضت «لوچي» على شفتها بخجل مُتحاشية النظر للجميع، بينما سدد لهم «مدثر» ابتسامة مجاملة للجمهور المُلتف حولهم، فمال على أظن «لوچي» يسألها بمزاح: تيجي نهرب!

اتسعت ابتسامتها، ثم أومأت له موافقة، ليلتقط يدها بين كفه ثم هرول بها من بين جميع الموجودين يختفون من أمامهم، وضحكاتهم تعلو الأرجاء من حولهم.

صدح هاتف «عدي» يصدح بصوت عالٍ في الأرجاء، فانتشله من حالة الهيام التي تُسيطر عليه بوجودها، أخرج «منار» من أحضانه مُنحنيًا قليلًا للأمام؛ ليلتقط الهاتف من على الطاولة أمامه، ثم عاد لمحله مرة أخرى، جاذبًا إياها مُجددًا لتستقر داخل أحضانه.
نظر لإسم المتصل فوجده «إسحاق»، ليُجيب عليه بهدوء وهو يُربت على خصلاتها السوداء الناعمة بحنان: أيوا يا إسحاق!

جاءه صوت «إسحاق» الخبيث مُرددًا: فينك يا كبير! اختفيت أنت والمدام بعد كتب الكتاب ومحدش عارفلكم طريق.
ارتسمت ابتسامة طفيفة على ثغر «عدي» وهو يُجيبه بمشاغبة: ملكش دعوة ياض، انجز عايز إيه!
أتاه صوت «إسحاق» الماكر مُخبرًا إياه بخبث: كل خير يا حبيبي، طالعين عاركة دلوقتي، هتيجي معانا ولا فاكس!

صدحت ضحكات «عدي» عاليًا ثم أجابه بمكر وهو يعتدل بمكانه: لأ فاكس إيه! معاكم يا حبيبي، ربع ساعة وهكون عندكم.
فُل يا زميلي، مستنينك.

أملاه «إسحاق» المكان المُتجمعين به، ثم هاتف «مدثر» أيضًا، والذي كان في طريقه للعودة إلى المنزل مع «لوچي» بعد قضاء وقت طويل ومُمتع معًا، وكان مع «إسحاق» في جلسته يوجد «يزن الراوي، رياض البدري، وسليمان»، بعدما قرروا جميعًا الثأر لحق «سليمان» من ذلك الجزار الذي ضربه على رأسه.

بعد نصف ساعة تقريبًا، تجمع الست شباب معًا يُخططون للإنتقام، ها قد جاءت فرصتهم على طبقٍ من ذهب، الساعة مازالت لم تتعدى العاشرة مساءًا، ومواعيد عملهم مازالت مُستمرة، هُنا وتحدث سليم يُملي عليهم خطتهم التي سيسيرون عليها حتى لا يقعوا في مأزق:.

سليمان قال إن اللي كانوا مع الولد كان عددهم تقريبًا أربعة، واحنا ستة، يعني احنا اللي غالبين بإذن الله، هنحمي ضهر بعض، مش عايزين أي تخلف، دول جزارين والغلطة معاهم بموتة، تمام يا رجالة!
رددوا جميعًا في صوتٍ واحد: تمام يا شقيق.
رفع رأسه للأعلى مُحدجًا إياهم بفخر، ثم أردف بغرور: بينا يا رجالة.

أنهى حديثه، فاستقلوا جميعهم سيارة واحدة بالكاد أخذتهم، فجلس «سليم» أمام عجلة المقود، وبجانبه «مدثر» الذي هرول للجلوس جانبه، وبالخلف جلس كلًا من « إسحاق وعدي وسليمان» ولم يتبقى سوا «رياض» الذي وقف مُتخصرًا بمكانه، ثم أردف بإستنكار: وحياة أمك أنت وهو! وأنا هقعد فين إن شاء الله!
أشار له «سليم» ببرود قائلًا: اقعد على رِجل سليمان وانجز.

انتفض «سليمان» صائحًا بسخط: واشمعنا سليمان بقى إن شاء الله! وبعدين مين دا اللي رقعد على رجلي! دا زي العِجل بكرشه دا.
نعم نعم! نعم نعم! نعم نعم! نعم نعم! هو مين دا اللي بكِرش يا بأف أنت! أنت مبتشوفش ولا إيه! دا أنا حتى رجل وسيم ذو جسد رياضي.
حدجه الجميع بإستنكار ناظرين لمعدته الممتلئة حقًا، قصاح «سليم» به بنفاذ صبر: هتنجز تركب ولا نسيبك ونمشي!

وافق «رياض» على مضض، ثم أردف بإبتسامة خبيثة: هركب، بس على رِجل إسحاق حبيبي.
وما كاد «إسحاق» أن يعترض، حتى وجده يقفز على قدمه جالسًا عليها بإسترخاء، تبعه بقوله الشامت مُتصنعًا الرقة: هاي يا بيبي.
طالعه «إسحاق» بإشمئزاز، ثم أجابه تزامنًا مع هبوط كف يده العريض على ظهره بقوة: هاي يا قلب البيبي. يارب. تكون. الخدمة. عجباك.

كان يضرب على ظهره بغل بين كل كلمة وأخرى، تأوه «رياض» بقوة ثم لكمه في وجهه يصرخ به: إيدك يا حيوان.
وضع «إسحاق» يده على وجهه موضع لكمته، ثم سأله مشدوهًا: أنت بتضربني!

أنهى تساؤله ثم هبط على وجهه بلكمة قوية من يده، أدت إلى ترنحه للخلف على قدم «عدي»، طالعه «عدي» بشماتة مُربتًا على وجهه أثر لكمة «إسحاق»، ليقول بضحكة مكتومة: معلش يا بيضة، تعيشي وتاخدي غيرها يا جميلة.

كان الجميع يُتابعهم بإبتسامة حاولوا قدر الإمكان إخفاؤها، لكن مع قول «عدي» الأخير انفجروا في الضحك، حرك «سليم» رأسه بيأس على أفعالهم الطفولية تلك، مُركزًا على الطريق أمامه، وشرد عقله بها هي، تلك الفاتنة التي آسرته بمشاكستها وحديثها العفوي!

بعد نصف ساعة؛ وصل الجميع إلى وجهتهم، ليترجلوا من السيارة بمظهر مُهيب للأنفس، وللمصادفة فجميعهم يرتدوا نفس الثياب تقريبًا؛ قميصًا من اللون الأسود مع بنطالًا نفس لون القميص، فأعتطهم رجولية مُفرطة.

استداروا جميعًا على شكل دائرة، وهنا تحدث «مدثر» بجدية يدعمهم بقوله: هنخش عليهم، اي حد هيعصلج معانا هننزل فيه ضرب، مش عايزة حِتة في وشهم سليمة، هنحمي بعض، عايزهم لما يشوفونا بعد كدا يموتوا من الرعب...
وبعد خمسة دقائق، كان «سليمان» يصرخ كالنساء طالبًا النجدة منهم: الحقوني. ماسكين سكينة يالهوي.

لطم «مدثر» على وجهه وهو يُهرول، يُحاول أن يجد مكانًا للإختباء به: الحقني أنت. هموت. كتب كتابي كان النهاردة. سيبوني أعيش يا ولاد ال.
بينما «عُدي» كان قد وقع بين يد أحدهم، فهزه بطريقة أثارت دورانه وهو يسأله بغلظة: بقى شوية عيال معاتيه زيكم يلا جايين يضربونا في وسط حارتنا!

أجابه «عدي» وهو على وشك البكاء: نضرب مين بس يا معلم أنت فهمت غلط، احنا كنا جايين نشتري لحمة واختلفنا على السعر مش أكتر.
شايفني عيل صغير يلا! دا انتوا سنة أبوكوا سودة السنادي.
أمسك «عدي» بكفه الغليظ يُحاول ردعه عن رأيه، قائلًا برجاء: أبوس إيدك فرحي آخر الشهر، يرضيك أموت قبل ما أتجوز!
أجابه ببرود لاكمًا إياه في عينه لكمة قوية أطاحت بجسده: أيوا يرضيني.

بينما كان هناك رجلين يُمسكان ب«سليم» المُهتاج، والذي يصرخ بأصدقائه قائلًا: يلعن أبو معرفتكم الهباب يا أخي، أبقى راجل وسخ لو اتقابلت مع أشكالكم العِكرة دي تاني، انتوا عارفين أبويا لو عِرف إني اتمسكت الماسكة المُهزأة دي هيعمل فيا إيه! وعهد الله هيبيتني في أوضة الكلب يا ولاد ال.

صعد صدره صعودًا وهبوطًا بغضب مُحاولًا الإفلات منهما، لكن محاولاته بائت بالفشل، وذلك لضخامة أجسادهم، حوَّل بصره تجاه «رياض» الذي يجلس على مقعد القهوة يرتشف قليلًا من الشاي مع أحد أخوة هؤلاء التيران المُتحركة: وبس يا سيدي، فضلت أقولهم مينفعش اللي هتعملوه دا، دول مهما كانوا ناس محترمة وأكيد سليمان هو اللي قليل الأدب بس مسمعوش كلامي.

لوى «بدير» شفتيه بأسى ثم نظر لأشقائه: بيني وبينك أخواتي دول مفتريين، أنا الطيب اللي فيهم، زي ما تقول كدا جيت بينهم غلط.
صحح له «رياض» حديثه قائلًا: قصدك إنك بسكوتة العيلة يعني!
أكد له بحديثه المُتحسر: وبسكوت نواعم وحياتك.
كاد «رياض» أن يُجيبه، لكنه استمع إلى صوت «سليم» المنادي له بهياج: أنت بتعمل إيه يا حيوان!

أشار تجاهه مُوجهًا حديثه ل«بدير»: شايف المُعاملة!
وما كاد ان يُجيبه «بدير» هو الآخر، حتى استمع إلى صوت أحد اخوته: ورب محمد يا بدير بعد ما نخلص لهعلقك مكان اللحمة دي بس الصبر، يا عاق.
أشار «بدير» هو الآخر تجاه شقيقه قائلًا بأسى: شايف نفس المُعاملة!

قاطع ذلك العِراك الدائر صوت كبير المنطقة، والذي لم يكن سوى والد هؤلاء الرجال يُصيح بهم بقوة وهو يضرب بعصاه بحدة على الأرض: إيه اللي بيحصل هنا دا!
صدح صوت أحد الأخوة يهتف بإحترام جلي لأبيه: يابا العيال دي كانوا جايين في حارتنا ومطرحنا وعايزين يضربونا.

خرج مدثر من خلف أحد الطاولات التي كان يختبأ خلفها، ثم صاح بنفي وشعور الظلم يتلبسه: كِدب، دا كله كِدب، احنا كنا عايزين لحمة عشان نعمل حواوشي، بس هما فهمونا غلط منهم لله.
أشار له «يعقوب» بغضب وهو يتحدث لأبيه: شايف يابا! والله لو ادتني الإذن هروح أكسر دماغه دلوقتي.

حدجه أباه «هارون» بحدة، ثم أردف بغضب مُوجهًا حديثه لأبناءه: إيه البلطجة اللي بقيتوا فيها دي! سيبوا العيال يلا أنت وهو.
اعترض «يعقوب» بأدب: يابا بس...
قاطعه «هارون» بأمر قاطع: مبسش. سيبوا العيال قولتلكم. وأنا ليا تصرف تاني معاكم.

ترك الرجال الشباب جميعًا، فصاح «عدي» بألم وهو يُشير لوجهه: شايف يا حاج ابنك عمل إيه في عيني! حسبي الله ونعم الوكيل، الواحد عشان ياكل أكلة حواوشي يتضرب كدا يا عالم! يتضرب كدا يا خلق!
قاطعه «هارون» ناظرًا له بسخرية: خلاص ياخويا متبقاش عامل زي المرا النتاتة كدا، أنا عارف إن ولادي مبيكدبوش، بس خليتهم يسيبوكوا رأفة مني بس.

حمحم «عدي» بحرج، فجاء إسحاق مُتحدثًا بشماتة جانب أذنه: جبهتك طارت.
حدجه «عدي» بسخط قائلًا: اسكت أنت خالص وشوف جبهتك سابتك وراحت فين وأنت متعلق على باب المحل.
عض «إسحاق» على شفتيه من الداخل بغيظ ولم يُجيبه، بل اكتفى بتسديد نظرة حارقة له جعلته يود أن ينفجر في الضحك.
وقف «سليم» أمام «هارون» قائلًا بغضب: يعني ينفع اللي ولادك عملوه دا يا حاج!

صعد صوته قائلًا برزانة: أولاد هارون مبيغلطوش غير في اللي غِلط فيهم، ولو غير كدا وليكم حقك فهو عندي.
تحدث «سليم» مُشيرًا لصديقه: واحد من عيالك من عشر أيام ضرب صحبي على دماغي، وفضل محجوز في المستشفى أسبوع، كدا لينا حق ولا ملناش يا حاج!
نظر «هارون» لأبنائه السبعة مُتسائلًا: مين فيكم اللي عمل كدا!
ابتلع أحدهم ريقه خوفًا من والده، ثم أردف بتذبذب: أ، أنا يابا. بس دا زعق للواد ا...

قاطع حديثه صوت والده الصارم: أنت تخرص خالص.
ثم نظر ل«سليم» وجميع الشباب قائلًا: وزي ما قولتلكم حقكم عندي، بس ابني غِلط هحاسبه بيني وبينه مش قدام الناس.
أومأ «سليم» بموافقة، ثم أردف بإمتنان: تسلم يا حاج. عن إذنك.
إذنك معاك يابني.

ذهب الشباب وصعدوا للسيارة بالطريقة التي جاءوا بها، التفت «سليم» الذي كان يجلس أمام عجلة المقود ل«رياض»، مردفًا بتوعد: حسابك معايا بعدين، وعهد الله ما هحلك.
لوى «رياض» شفتيه بسخط مُتسائلًا بحنق: وأنا عملت إيه يعني!

مرَّ يومان أخران، كان «مدثر» حينها يخرج من محل الصاغة الكبير الموجود بالمدينة، مُمسكًا في يده سلسال يحمل اسم «لوچي»، لقد وصى عليه مخصوصًا منذ عدة أيام؛ ليُعطيه لها في يوم ميلادها القادم، والذي يكون في الغد.

كان في طريقه تجاه سيارته، لكن قاطع سيره هو ظهور هؤلاء الشباب الذين قام بضربهم منذ عدة أيام هو و«سليم»، وما كاد ان يتحدث حتى أخرج أحدهم ماديته غارزًا إياها في معدته بقوة، وبعدها هربوا بدرجاتهم النارية، تاركين إياه غارقًا في دمائه.


look/images/icons/i1.gif رواية 🎭 حين يتحوّل العشق إلى معركة 🤣 حب يجرح.. ونعال يطير: يوميات أسرة خارج السيطرة
  21-09-2025 06:11 مساءً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 28-07-2025
رقم العضوية : 9
المشاركات : 62
الجنس :
قوة السمعة : 10
قبل ما حدث بقليل، كان «يزن» جالسًا بجانب «ريان» وأمامه الشباب الخمسة يقفون مُطرقين الرأس كالمذنبين، هُنا تسائل «ريان» مُوجهًا حديثه ل«يزن» بعتاب: في إيه يا يزن مذنب العيال كدا ليه؟

لوى «يزن» شفتيه بتهكم مُجيبًا إياه بسخرية وهو يُشير للشباب: البهوات فاكرين نفسهم فتوات، رايحين حارة هارون وبيتخانقوا مع عياله هناك، وياريتهم رِجعوا منصورين، دول اتضربوا واتهزقوا واتهانوا زي الكلاب.
جعد «رياض» وجهه مُعترضًا بضجر: بس متقولش اتضربنا يا عمو، احنا كُنا بناخد ونِدي بشكل وِدي مع بعض.

تحدث «يزن» بغتةً: والقلم اللي معلَّم على قفاك بقاله يومين دا تسميه إيه!
اعترض بقوة صائحًا: لأ دا من إسحاق مش من الرجالة.
التوى ثغر «يزن» ساخرًا: لا طالما إسحاق هو اللي ضربك تبقى راجل.
تحدث «سليم» تلك المرة مُوجهًا حديثه لوالده: يا بابا كان موضوع وخِلص بقى، خلي قلبك أبيض.

نهره «يزن» بحدة وتعابيره تشتد قسوة: أنت تسكت خالص، قال وأنا اللي بتفشخر بيك طلعت عِرة زيهم.
وضع «إسحاق» يده على صدره يضرب عليه بضربات خفيفة: الله يكرمك يا عمي والله، طول عمرك أصيل.
طالعه «يزن» ببرود مُجيبًا إياه: دا غصب عنك يا ابن موسى.

قاطع تلك المُشاحنة هاتف «ريان» المُسترخي على الأريكة يتثائب، فتح عينه بصعوبة ناظرًا لشاشة هاتفه فوجده رقم ابنه «مدثر»، قذف الهاتف في وجه «سليم» بغتةً ليصتطدم بوجهه قائلًا: خُد رُد على صاحبك عايز أنام.

وضع «سليم» يده على وجهه بألم ناظرًا ل«ريان» بغيظ، كز على أسنانه بحنق ثم فتح الهاتف قائلًا بغضب يكتم غيظه من «ريان»: عايز إيه يا زفت!
أتاه صوت آخر غير «مدثر» يُخبره بعملية: ألو يا فندم، صاحب الموبايل دا في المستشفى وحالته خطيرة للأسف.
انتفض «سليم» بفزع يصرخ به: بتقول إيه! مستشفى إيه!

انتفض الجميع من محلهم عقب قوله الأخير، وأولهم كان «ريان» الذي انتشل الهاتف من على أذنه: ابني فين!
أعاد الرجل نفس كلماته بأسف على مسامعه، مما شل جسده جاعلًا إياه يتصنم مكانه من الصدمة، تسائل «يزن» بقلق، خاصةً بعد أن لاحظ الصدمة المُرتسمة على وجهه كليهما: في إيه! إيه اللي حصل!
ارتعش جسد «ريان» وهو يُتمتم مع ذاته بصدمة: ابني!

لم يجد «يزن» نفعًا من سؤاله، لذلك استدار ناحية «سليم» يسأله بنفاذ صبر: في إيه يا سليم انطق.
وبصعوبة خرج «سليم» من حالة الصدمة التي تلبسته ناظرًا حوله بتيهة، ليجد والده وجميع الشباب ينتظرون إجابته على أحر من الجمر، فتح فمه ثم أردف بصعوبة بالغة: مدثر في المستشفي وبين الحيا والموت.

استمع الجميع إلى صوت جلبة تأتي من خلفهم، فاستداروا مُسرعين، ليجدوا «غزل» واقفة تُحدجهم بصدمة، وصينية المشروبات تقع أسفل قدميها، يبدو بأنها استمعت لحديثهم على الأغلب.
تقدمت منهم ببطئ رهيب، ثم توقفت أمام «ريان» المُنصدم هو الآخر تسأله بعدم تصديق: ابني! ابني فين يا ريان!
أسندها «إسحاق» مُمسكًا إياها من كتفها، ثم أردف بإرتعاش: متقلقيش يا طنط، هيبقى كويس والله.

هبطت دمعة شاردة من عينها ومازالت غير مُصدقة، تشعر بأن قلبها يكاد أن يُفتك من شدة آلامه، لذلك وضعت يدها على صدرها قائلة بصوت مبحوح: عايزة ابني، عايزة أروح لمدثر ابني.
تلك المرة خرج صوت «يزن» الواثق: متقلقيش يا مدام غزل، كلنا هنروح دلوقتي المستشفى اللي محجوز فيها وهنبقى نطمن حضرتك.
هزت رأسها نفيًا بهستيرية قائلة بإصرار: لأ هاجي معاكم، هشوف ابني.

خرج «ريان» من صدمته ذاهبًا إليها، ثم أحاط وجهها بين كفيه مُردفًا بدموع حبيسة في مقلتاه: عشان خاطري يا غزل خليكِ هنا، واحنا هنوصل لعنده وبعدها هبعت حد من الشباب ياخدك لو الموضوع كبير بعد الشر، عشان خاطري متوجعيش قلبي أكتر من كدا.
هبطت دموعها بشدة ترجوه بنحيب: ابني يا ريان، لو جراله حاجة هروح فيها قسمًا بالله، أنا معنديش غيره.

قبَّل جبينها ثم وعدها بحنان مُحاولًا كتم الألم داخله: هيبقى كويس، إن شاء الله تكون حاجة بسيطة.

ابتلعت ريقها بصعوبة مُفسحة لهم الطريق، فجلست على المقعد تنزل لأثرهم الراحل بحسرة، ثوانٍ وكانت تنفجر في البكاء، وضعت يدها موضع قلبها لتُقلل من ألمه، ابنها الآن بين الحياة والموت، لقد استمعت لحديثهم كاملًا، تعلم ان «ريان» يكذب عليها ليُطمئنها، لكن انقباضة قلبها هي ما تُخيفها، تشعر بشعور سيء يتملك منها، تشعر بأنها لم تكن سوى النهاية!

وصل الجميع إلى المشفى مهرولين نحو الداخل، وأولهم كان «ريان» الذي سأل الإستقبال متسائلًا بهلع: لو سمحت عايز أعرف ابني فين!
قطب الرجل جبينه ثم تسائل بهدوء: ابن حضرتك اسمه إيه يا فندم؟
أجابه مسرعًا: مدثر ريان الطحاوي.

نظر للحاسوب الذي أمامه يبحث عن الإسم الذي أملاه «ريان» له، وبعد عدة ثواني رفع رأسه لاه ثم تحدث بعملية: المريض دلوقتي يا فندم موجود في العناية المركزة عشان حالته كانت حرجة.

تلك الكلمات هبطت على أذن الجميع كالصاعقة، قلوبهم تقرع كالطبول من شدة خوفهم، خاصةً ذلك التائه الذي ينظر أمامه بأعين فارغة، شعر بالأرض تميد به وأول من لحقه كان «يزن» الذي اسنده يهتف له بتشجيع: فُوق يا ريان، ابنك محتاجلك أكتر من أي وقت هتيجي دلوقتي وتضعف!
تسللت الدموع لأعين «ريان» متحدثًا بما يرفضه عقله: ابني بيضيع مني يا يزن.

وقف «إسحاق» من الناحية الأخرى له واضعًا يده على كتفه بإرتعاش: متقلقش يا عمي هيبقى كويس بإذن الله، تعالى نطلع دلوقتي ونطمن على حالته.
هز رأسه له وكأنه وجد الحل للإطمئنان عليه، ثم صعدوا جميعًا للأعلى حتى وصلوا إلى الردهة الموجود بها غرفة العناية، وقفوا أمام الباب المعدني الكبير فوجدوا المصباح الأحمر مُضاء دليلًا على وجوده بالداخل حتى الآن.

ظلوا منتظرين عدة دقائق ليست بالأخيرة، حتى شعروا بحالة من الهرج والمرج تحدث حولهم، رأوا تلك الممرضة تهرول للخارج فسألها «ريان» بهلع: في إيه اللي بيحصل! ابني ماله!
أجابته بإستعجال وهي تذهب من أمامه: المريض قلبه وقف مرتين ومحتاج نقل دم ضروري.
صمت كلماتها أذنه، ولا يتكرر بعقله سزى جملة واحدة كادت أن تُصيبه بذبحة صدرية المريض قلبه وقف مرتين! .

هو لن يخسر ابنه، هز رأسه مستنكرًا لصوت عقله الذي يرسم له الكثير والكثير من السيناريوهات الشيطانية، حتى إنه لم يستمع إلى صوت الشباب وكذلك يزن وفارس الذين يُنادوه للإطمئنان على حالته، فلقد شحب وجهه بشدة حتى أصبح يُحاكي شحوب الأموات تقريبًا.
هزه فارس بقوة مُمسكًا إياه من ذراعه: ريان فوق، متستسلمش كدا، مدثر لسه عايش وكويس، فوق عشان تتبرعله بدمك، فصيلة دمكم متشابهة، فوق عشان تنقذ حياة ابنك.

وكأن كلماته أعادته للواقع، حدجه بنظرات ضعيفة مُنكسرة، إن حدث شيء له سيكون هو التالي بعده، هو ليس فقد ابنه، بل صديقه ورفيق دربه أيضًا، هبطت دموعه بأسى وتلك الأفكار المزعجة لا تغادر عقله، ليحتضنه «فارس» معانقًا إياه بقوة هامسًا له:
هيبقى كويس والله العظيم، اهدى كدا وسلم أمرك لربنا.
رفع «ريان» عيناه الدامعة للأعلى متضرعًا، وهو يهمس برجاء: يارب.

تجمع الفتيات معًا على سطح المنزل جالسين على الأرضية الصلبة وهم ملتفون في شكل حلقة دائرية، أمسكت «ميادة» بالزجاجة البلاستيكة ثم وضعتها أرضًا، لتُديرها برفق، ظلت الزجاجة تلتف حتى توقفت على كُلًا من «جميلة ومنار»، أشارت «ميادة» ناحية «جميلة» قائلة بحماس: جميلة هي اللي هتسأل، ابدأوا.

حكت «جميلة» رأسها قليلًا، تُفكر في سؤال صعب تستطيع سؤالها عليه، وبعد تفكير دام لثوانٍ، أردفت مُتسائلة وهي تنظر ل«منار» بترقب: كنتِ متخانقة أنتِ وعدي الفترة اللي فاتت صح! كان باين في معاملتكم.
حدجتها «منار» بثبات قائلة: مشاكل عادية زي ما بيحصل بين أي اتنين مرتبطين، اختلفنا في حاجة كدا وبعد كدا اتصالحنا والأمور رجعت زي ما كانت.

هزت رأسها بعدم إقتناع مُضيقة عيناها تُحدجها بشك، لكنها لم تتحدث حتى لا تتطرأ لأحاديث قد تُزعجها، أمسكت «ميادة» الزجاجة مرة أخرى وأدراتها بقوة مثلما فعلت في السابقة، لتتوقف فجأة على كُلًا من التوأمتان «ميادة وزينب»، والدور على زينب لسؤالها.

ارتسمت ابتسامة خبيثة على ثغر «زينب» أقلقت «ميادة» كثيرًا، ابتلعت ريقها مُتحدثة بتوتر: أنا أختك وتوأمتك ها، خليكِ رئيفة بيا.
التوى ثغر «زينب» بعبث وهي تُجيبها بسخرية: رئيفة دي تبقى خالتك يا عين أختك.
حدجتها «ميادة» باستنكار لم تلتفت «زينب» له، وبحماس شديد اعتدلت متسائلة بنبرة لعوب: كنتِ بتدايقي لما سليمان كان بيهزر معايا ليه!

صُدمت «ميادة» من معرفتها بحبها ل«سليمان»، هو حتى الآن لم يُفاتح والدها كما أخبرها هو، لكن كيف علمت شقيقتها! خرج صوتها مُتلعثمًا تسألها بدهشة: ب. بتقولي. إيه! م. مفيش حاجة من الكلام دا.
غمزتها «رهف» بمشاكسة: يابت! يابت مش علينا الكلام دا، دا أنتِ عنيكِ فضحاكِ.
وبعفوية تسائلت «ميادة» ببلاهة: بجد والله!

نكزتها «زينب» في جانبها بقوة آلامتها، ثم حدثتها بعتاب: يعني أنا أختك وتوأمتك وتخبي عليا! دا أنتِ نتنة.
جعدت «ميادة» وجهها بسخط زائف، وبتوتر أمسكت بالزجاجة لتُديرها مرة أخرى لتُلهيهم عن إستكمال أسئلتهم المزعجة، دارت الزجاجة ببطئ حتى توقفت على الخصم القوي، وكانوا هم «لوچي وحور».

كان الدور على «لوچي» لسؤالها، حدجتها بسخط جاززة على أسنانها بغيظ، اعترافها ل«مدثر» بحبها يُصيبها بالضيق، وأحيانًا تشعر بحاجتها للتنفيس عن ذاتها بضربها، جالت الأسئلة الكثيرة بعقلها، وأهمهم قامت بسؤالها على بغتة لكن لم تسأله بطريقة مباشرة حتى لا تقوم بإحراجها أمام الفتيات: بتحبي مين!

ارتسمت ابتسامة جانبية على ثغر «حور»، تعلم كل ما يدور بعقلها من أسئلة، وعلى التفكير في سؤالها؛ ذهب عقلها بدون وعي له هو، ونطق لسانها عفويًا: إسحاق.
مين!
نطق الجميع بتعجب وذهول مُحدقين بها بدهشة، لم تُظهر أي من مشاعرها أو حتى عبرت عنها من قبل، وأول من فاقت من صدمتها كانت «لوجي» التي تسائلت بشك: حبيتي قبله!

أجابتها «حور» دون مراوغة أو كذب: مكدبش عليكِ آه، أنا مش بحب إسحاق من كتير، بحبه من شهر تقريبًا، حسيت إن فيه حاجة جميلة بتشدني ليه، رغم إنه قدامي طول السنين دي كلها إلا إني مفكرتش فيه غير دلوقتي، هو اللي ساعدني إني اتخطى الشخص اللي حبيته قبل كدا، مكنش حب على قد ما كان إعجاب، كنت بحب الشخص الأول دا لسنتين، حسيته لطيف ودمه خفيف، وطول الوقت كان قدامي اللي يستاهل إني أديله مشاعري وأنا مطمنة، وعشان كدا أنا بقيت أحب إسحاق، مدخلتش في مرحلة العشق وكدا، بس حاسة نفسي معاه، عارفة إنه راجل وقد المسؤولية، وعشان كدا اختارته هو.

كان الجميع يُحدجها بسعادة جلية، أحاطت «رهف» بكتفها قائلة بسعادة: الله أنا مبسوطة بجد، أنتِ وإسحاق لايقين على بعض جدًا والله.
ارتسمت ابتسامة طفيفة على ثغرها، فحولت نظرها ل«لوچي» فوجدتها تبتسم بارتياح هي الأخرى، بادلتها بسمتها تلك وهي تعلم أن حديثها أراح قلبها كثيرًا، يبدو أنها كانت مازالت تشعر بالقلق حيالها.

أمسكت «ميادة» بالزجاجة لإستكمال اللعب، وما كادت أن تُديرها حتى استمعوا جميعًا لصوت «غزل» التي تُصيح ببكاء: أنت بتقول إيه! ابني جراله إيه يا إسحاق.

انقبض قلب الفتيات زُعرًا من حديثها المُبهم هذا، ثم وقفوا مُهرولين للأسفل بفزع، فوجدوا «إسحاق» يقف أمام «غزل» مُمسكًا إياها من أكتافها يُحاول تهدأتها: اهدي يا مرات عمي، والله هو كويس بس لسه محجوز في العناية.
هرعت كُلًا من «لوچي ومنار» له نحوه على أثر كلماته، وأول من تحدثت كانت «لوچي» التي أردفت بفزع: عناية إيه! ماله مدثر!

رفع يده أمام وجهها يُهدئها وهو يُقاوم دمعاته العالقة بين أهدابه: اهدي يا لوچي مفيش حاجة، مدثر كويس هي بس حادثة بسيطة.
شهقت ببكاء يعلو تدريجيًا وهي تهز رأسها نفيًا، بينما «غزل» تحدثت ببكاء: وديني عند ابني يا «إسحاق»، عايزة أشوفه.

أغمض «إسحاق» عيناه بيأس، هو بالأساس قادم لطمأنتهم كما أخبره «ريان»، لكن هو بالكاد يُسيطر على ذاته، وجاءت «غزل» بغريزتها الأمومية حركت فيه مشاعر البكاء أكثر، وبالنهاية هزَّ رأسه بالإيجاب قائلًا: ماشي، بس مش هينفع تيجوا كلكوا سوا.

هُنا وتدخلت «حور» التي رأت تعبه البادي على وجهه مُتحدثة: خلاص متقلقش احنا هنفضل كلنا هنا وخُد معاك طنط غزل ولوچي ومنار عشان يطمنوا على مدثر.
حدجها بإمتنان راسمًا بسمة بسيطة على محياه، ثم أفسح الطريق لثلاثتهم ليهبطوا للأسفل منتظرين إياه، دلفت الفتيات للداخل والقلق ينهش بقلوبهم على ابن عمهم المُصاب، بينما تقدمت «حور» من إسحاق قائلة برقة: متقلقش هيبقى كويس وهيقوم بالسلامة.

ابتلع غصته العالقة بحلقه وهو يُردد برجاء: يارب يا حور يارب، ادعي كتير، مدثر محتاج دعواتنا كلنا دلوقتي.
سألته بإرتعاب وصوت مرتعش: هو. هو حالته خطيرة أوي كدا!
طالعها بتمعن، ثم أومأ لها يدرس إنفعالات وجهها بدقة، ليجدها تدعو بتضرع مُشجعة إياه: بإذن الله ربنا هيعديها على خير، ابقى اتصل عليا طمني لو حصل أي جديد.

أومأ لها وهو يزفر بتعب، ثم همس لها قبل أن يتركها ويهبط للأسفل: حاضر، خلي بالك من نفسك أنتِ بس، يلا سلام.
تابعته بصمت وهي تُتمتم مع ذاتها بتمني: سلام.

وقف سليم بالحديقة الخاصة بالمشفى بعد أن شعر بجدران المشفى تطبق على أنفاسه، لا يطيق التواجد بدون صديقه، هو مُحتجز في غرفة مليئة الأجهزة وجسده مُوصل بالأسلاك التي تُساعده على العيش، شعر بيد تُوضع على كتفه وظهر بعدها «عُدي» المُرتسم على وجهه الحزن الشديد.
استدار له «سليم» بأعين متوعدة، قائلًا بشر مُخيف: حق مدثر مش هنسيبه، اللي عمل فيه كدا هخليه يتمنى الموت وميطلهوش.

مش لما نعرف مين اللي عمل كدا أصلًا!
سؤال صعد من فم «رياض» الذي جاء من خلفهم ومعه «سليمان»، رفع «سليم» رأسه لهم ثم زمجر بشراسة: هنعرف، وديني هنعرف مين هو ومش هحله.
ربت «سليمان» على كتفه عدة ضربات خفيفة أثناء قوله المتوعد: مش هنحله، اسمها مش هنحله، اللي يجي على واحد فينا يستاهل اللي يحصله.

أكد «عدي» على حديثه قائلًا بتفكير وهو يوجه حديثه ل«سليم»: خلي عمو يزن يستعمل نفوذه ويعرفلنا مين اللي عمل كدا كاميرات المراقبة.
كز «سليم» على أسنانه بحقد مردفًا بغضب عارم: هيكونوا مين يعني غير ولاد الحاج هارون! مفيش غيرهم هما اللي عملوا كدا.
هُنا وصعد صوت «رياض» الصارخ: قسمًا بالله لو هما لهنخربها فوق دماغهم، بس لسه هنستنى كاميرات المراقبة!

صعد صوت «سليم» الذي تشدق بجمود: واحنا لسه هنستنى! بينا على هناك، وأنت يا رياض كلم حد من الحرس بتوعنا يجوا للمكان من غير ما بابا يحس بحاجة، وكلم إسحاق يحصلنا على هناك.
أومأ له «رياض» بالإيجاب وفعل ما طلبه منه، وبعد عدة دقايق كانوا جميعًا يصعدون للسيارة لينطلقوا بها بسرعة شديدة دلالة على الغضب الجاقم فوق صدورهم.

وصل «إسحاق» بسيارته وتعجب عندما وجدهم يسيرون بالسيارة من جانبه ولم يروه، قرر توصيل الفتيات ثم الإتصال بهم ليعلم إلى أين يذهبوا، توقف بسيارته ثم هبط منها وكذلك الجميع، ثم دلفوا إلى داخل المشفى مسرعين، ودموعهم تنهمر بقلق على وجوههم.

وصلت «غزل» إلى الردهة، فوجدت «ريان» واقفًا يستند على الحائط بإنهاك، و«يزن» يُعطيه علبة من العصير يرتشفها بهدوء، اقترب منه ببكاء حاد تسأله بانهيار: ابني فين يا ريان! إيه اللي حصله.
حدجها «ريان» بدهشة من مجيئها، فحول نظره ل«إسحاق» بعتاب على جلبه لهم، هز «إسحاق» كتفه بيأس قائلًا: هما اللي أصروا يجوا والله يا عمي.

زفر «ريان» بتعجب ثم استدار ل«غزل» التي تشهق ببكاء شديد آخذًا إياها في أحضانه مُربتًا على ظهرها بهدوء: اهدي يا غزل. اهدي يا حبيبتي هيقوم بالسلامة إن شاء الله.
هزت رأسها بعدم تصديق مُردفة بألم: إيه اللي حصله! الدكتور قالك إيه!

مسح على وجهه بقلة حيلة ولا يعلم بما يُجيبها، حالة ابنته خطرة وتحتاج إلى عملية دقيقة للغاية، خاصةً وأن الآلة الحادة التي دخلت في معدته استقرت عند كليته اليُمنى مُدمرة إياها، لذلك هو يحتاج لنقل دم سريع بعد أن نفذت منه الكثير من الدماء.
خرج الطبيب في تلك اللحظة خالعًا الماسك عن وجهه، ليلتف الجميع حوله يتسائلون بإهتمام: مدثر عامل إيه يا دكتور!

أجابهم بأسف: مخبيش عليكم الحالة جيالنا بعد ما فقدت دم كتير، والكلى شبه متدمرة بس احنا هنعمل أقصى ما عندنا عشان نعالجها ومتتشالش، لكن اللي محتاجينه دلوقتي هو نقل دم ليه ضروري غير اللي والده اتبرع بيه، وفصيلته نادرة شوية.
سارعت «غزل» بسؤاله: فصيلة دمه إيه يا دكتور أنا ممكن اتبرعله.
أجابها بتمني: فصيلته O+، وياريت نلاقي متبرع في أسرع وقت.

هُنا وتدخلت «لوچي» التي كانت تتابع حديثه بصدمة جمدتها لثوانٍ: أنا. أنا فصيلة دمي زيه يا دكتور، أنا هتبرعله.
أشار لأحد الممرضات التي تقف بجانبه قائلًا براحة: طيب كويس أوي، روحي مع الممرضة خليها تسحب منك دم بسرعة، عامل الوقت مهم جدًا معانا.
هزت رأسها بهستيريا ثم جاورت الممرضة التي أخذتها معها، دالفين إلى إحدى الغرف مُختفيين عن الأنظار.

وصل «إسحاق» إلى حارة هارون بعدما هاتفه أحد الشباب مُخبرين إياه على وجهتهم المُحددة، هبط من السيارة مُسرعًا ثم سارع بخطواته إليهم عندما استمع إلى صوت شجار عالي يأتي من على بُعد أمتار ليست بالكثيرة.

وصل إليهم فوجد «سليم» ممسكًا ب«يعقوب» من ياقة ثيابه يهزه بعنف ساببًا إياه بسباب رديء، اشتعلت عيني «يعقوب» من وقاحته فسدد له لكمة عنيفة في وجهه صائحًا بحدة: أنت اللي زيك مينفعش معاه الإحترام.
سيطر «سليم» على توازنه بصعوبة، ثم بادله لكمته بنفس القوة أو أكثر قليلًا وهو يُصيح بهيجان: أنا هربيك يا ابن ال...

تفاقم الغضب على أوجه أشقائه من سبته وتطاوله على أخيه وعائلته، وأول مَن تحدث غاضبًا هو «مجاهد» الذي تطاول على «سليمان» من قبل: ما تحترم نفسك يا جدع أنت وبلاها قلة الأدب دي، احنا محترمينك بس عشان أبويا، غير كدا وكتاب ربنا ما كنا هنسيب في جتتكوا حِتة سليمة.

هُنا وتدخل «إسحاق» بسخرية قاسية: والله عاملين احترام لأبوكم! ومعملتوش ليه احترام ليه لما غدرتوا بواحد مننا وبقى مرمي في المستشفى بسببكم! دي حركة متطلعش غير من أشكال.
هدأ «يعقوب» قليلًا بعدما استمع لكلماته، ثم قطب جبينه بتعجب وهو يسأله بترقب: غدرنا بيكوا ازاي مش فاهم!

التوى ثغر «عدي» باستنكار متشدقًا بسخط: على أساس أنت مش عارف ازاي! بس احنا هنعمل فيك جِميلة ونقولك، مدثر اللي كان معانا المرة اللي اتخانقنا فيها معاكم، شوية عيال طلعوا عليه وضربوه بالسكينة في جنبه، ومفيش غيركم اللي له مصلحة من ورا ا كله.
تدخل أحد الأشقاء والذي يُدعى «مصعب» قائلًا: لأ كدا كخ يا بابا، احنا لما نحب نضرب بيبقى Face to face، لكن جو اضرب واجري دا مش بنحبه لأ.

قطب «سليمان» جبينه متسائلًا: يعني إيه!
تحدث «يعقوب» مُتدخلًا: يعني مش احنا اللي عملنا كدا مع صاحبكم دا، احنا ولاد حارة اه بس مش بلطجية.

كان «هارون» يُتابع الموقف من البداية دون تدخله، يريد أن يرى ردة فعل أبنائه الرجال وكيف سيتعاملون مع الوضع، وللحقيقة شعر بالفخر حيالهم، تقدم منهم مُستندًا على عكازه ثم وقف أمام الشباب هاتفًا: أظن خدتوا جواب لكل أسئلتكم، وولادي عداهم العيب وأزح.
شد «سليم» على خصلاته بغضب يُفكر في حل لتلك المعضلة، يستشف منهم صدقهم وبنفس الوقت قلبه يتآكل على صديقه.

وعلى بُعد منهم، كان «بدير هارون» يجلس على مقعد القهوة يُتابع هذا الشجار بتسلية كبيرة أثناء تناوله لقطع البسكويت مع الشاي الساخن، وبعدما أنهاه قام بالنداء على صبي القهوة بصوت عالي هاتفًا: واد يا ريشة، أنت ياض يا ريشة!
أتى إليه المدعو «ريشة» بضجر، والذي كان يُتابع الشجار هو الآخر قائلًا بحنق: اؤمر يا معلم!

أملى عليه «بدير» طلبه قائلًا: هاتلي ياض كوباية موز باللبن أعمل بيها مزاج عشان أنا نفسي اتفتحت.
حدجه الآخر بصدمة وهو يشير تجاه أشقائه: بس يا معلم اخواتك بيتخانقوا وأنت قاعد لمؤأخذة كدا!
سدد له «بدير» نظرة نارية وهو ينهره بعنف: يعني إيه أنا قاعد كدا! أنت متعرفش إن دوري في الخناقة دي أهم منهم كلهم ولا إيه!
تسائل «ريشة» بإهتمام: إزاي يا معلم!

شرح له «بدير» بعقل مدبر ومخطط: يا غبي أنا بفضل اتفرج وأشوف أدائهم عامل إزاي في الخناقة عشان أنبههم بعد كدا عن الأخطاء اللي عملوها في المرة الأولى.
حدجه باستنكار شديد فاتحًا فمه ببلاهة، ثم أردف بعقل مشوش من حديثه الأبله قائلًا: أنا هروح أجيبلك الموز باللبن أحسن يا معلم.

في تلك الأثناء صعد رنين هاتف «رياض» والذي أجاب مسرعًا عندما وجد أن المتصل هو عمه يزن: أيوا يا عمي خير حصل حاجة!
جاءه صوت «يزن» الحاد وهو ينهره بعصبية شديدة تعجبها: أنت فين أنت والبشوات التانيين! مختفيين ومش حاسين بالمصيبة اللي حصلت هنا!
تسائل «رياض» بريبة وهو يوجه أنظاره لتلك الأعين المُحدقة به: مصيبة إيه يا عمي!
مدثر دخل في غيبوبة.


look/images/icons/i1.gif رواية 🎭 حين يتحوّل العشق إلى معركة 🤣 حب يجرح.. ونعال يطير: يوميات أسرة خارج السيطرة
  21-09-2025 06:12 مساءً   [4]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 28-07-2025
رقم العضوية : 9
المشاركات : 62
الجنس :
قوة السمعة : 10
بعد مرور شهر.
عاد «سليم» لل يلا الخاصة بأبيه مُنهك للغاية، بعدما قضى طيلة هذا الشهر جانب «مدثر» الذي لم يستيقظ من غيبوبته حتى الآن، الجميع في حالة من الصدمة حتى كادوا أن يُصابوا بالجنون، خاصةً والديه و لوچي التي تقضي أيامها في بكاءٍ مستمر.

صعد الدرج بتعب مُقررًا الإستحمام وتغيير ثيابه ثم العودة لصديقه مُجددًا للمبيت معه كما اعتاد، قابل في طريقه «هايدي» والتي من المفترض أن تكون زوجته الآن، لقد تم إلغاء الزواج بسببها هي، وقفت أمامه تقطع طريقه لينفخ هو بنفاذ صبر سائلًا إياها بحدة: عايزة إيه؟
قطبت جبينها بغضب وهي تسأله: في إيه يا سليم إيه المعاملة دي؟

ضرب على جانب رأسه مجيبًا إياها بسخط: بقولك إيه حِلي عن نفوخي أنا مش ناقصك، ولو هتتكلمي في نفس فأنا خلاص قُلت اللي اللي عندي، أنا خلاص مش عايزك.
تجمعت الدموع بعيناها ثم اقتربت منه تحاول استعطافه: يا سليم أنا لسه بحبك.
تشنج وجهه باستنكار مُبتعدًا عنها وهو يُردف باستنكار: بتحبيني! بتحبيني لدرجة إنك لغيتي الجواز قبل الفرح بأسبوع!

ارتعشت شفتيها ببكاء حقيقي تلك المرة مُخبرة إياه: مكنش قصدي. أنا كنت خايفة وحاسة إني مش هقدر أشيل المسؤولية.

رسم ابتسامة ساخرة على ثغره وهي يهز رأسه نافيًا: لأ أنتِ مكنتيش خايفة، أنتِ سمعتي كلام صحابك اللي قالولك اتقلي عليه عشان تشوفي بيحبك قد إيه، وأنا اللي كنت زي العبيط بخاف على زعلك وكانت دموعك عندي أغلى من حياتي، بقيتي تستغلي حبي ليكِ ومفكراه ضعف مني، لكن أنا مش شغال عند الهانم اللي عملتني رهان قذر في إيديها مع صحابها، وأنا دلوقتي اللي مش عايزك، حبك اتمحى من قلبي بأستيكة ولا كأنه كان موجود، ودلوقتي أنتِ زي أختي وبس، ولولا إن عمو مصطفي صديق مخلص لبابا أنا كان هيبقى ليا تصرف تاني معاكِ.

أنهى كلماته ثم استكمل صعود الدرج بجمود شديد، تاركًا إياها تأكل أظافرها من الندم وخسارتها إياه، دلف «سليم» للغرفة يفك أزرار قميصه بإختناق كلما تذكر ما فعلته، كان صادقًا في كل كلمة قد قالها لها، هو حقًا لم يعد يُفكر بها، احتلت قلبه أخرى سلبته بعفويتها ورقتها، عازمًا على التقدم إليها عندما يتعافى صديقه تمامًا.

القلوب تترابط بأنسجة من الحب والصداقة، وقلوبهم تربطهم روحًا واحدة لكن بجسدين مختلفين، اقتربت «لوچي من فِراش «مدثر» النائم بلا أي ردة فعل، جلست جانبه على المقعد المجاور لفراشه مُمسكة بكف يده بحنان، هبطت برأسها على يده تُقبلها بإشتياق، خرجت شهقة منها أثناء بكاؤها وهي تخبره بهمس خافت:.

مكنتش أعرف إن قلبك قاسي عليا أوي كدا، بقالك شهر نايم كدا ومش عايز تشوفني! قوم نفسي أسمع صوتك، أنت متعرفش مدثر بالنسبة للوجي إيه! مش عارف غلاوتك عندي عشان تحرمني منك لشهر كامل! طيب. طيب أنا موحشتكش! مش عايز تشوف لوچي حبيبتك! رُد عليا يا مدثر وكفايا وجع، أنا تعبت وأنا شايفاك كدا.

دلفت الممرضة التي حدجتها بشفقة واضعة يدها على كتفها تواسيها بود: اهدي يا آنسة هو كويس والله ومؤشراته الحيوية كلها سليمة، هي مسألة وقت مش أكتر.
رفعت «لوچي» عيناها المُملتئة بالدموع ثم سألتها بخوف: طيب هو مش عايز يصحى ليه؟ أنا خايفة عليه، والله أنا خايفة أوي.
حولت أنظارها إليه مجددًا وهي تهزه تلك المرة بعنف وعقل يرفض حالته ومكوثه هذا: قوم يا مدثر ومتسبنيش كدا، حرام عليك كفاية بقا.

توترت الممرضة من حالتها لذلك هرعت للخارج مُنادية الطبيب والذي جاء مسرعًا ومعه مُمرضتان أخريتان، ليجد تلك التي تبكي بعنف تطلب من ذلك النائم أن يستيقظ الآن، أشار للمرضتان بإشارة يفهماها جيدًا، فذهبوا تجاهها مُقيدين حركتها التي زادت لمقاومتهما، فاقترب الطبيب مُسرعًا غارزًا إبرة من المُهديء في ذراعها، وثوانٍ كانت تميل على الجانب برأسها.

تم نقل «لوچي» لغرفة عادية في نفس الطابق الخاص بغرفة «مدثر» وسط إنهيار بقية العائلة لرؤيتها هكذا، جلست «زهر» بجانبها تُمسد على خصلاتها وهي تبكي، وعلى الجانب الآخر يجلس «فارس» الذي ينظر أمامه بشرود، لا يعلم ما الذي سيحدث بعد الآن، لقد طالت فترة إحتجاز «مدثر» وابنته تفقد روحها شيئًا فشيئًا.

بالخارج، أحاط «ريان» زوجته التي كانت تبكي بكاءً شديدًا، كانت تكتم بكاؤها لأسبوعٍ مضى تقريبًا، وعندما رأت «لوچي» في تلك الحالة بكت وانفجرت أخيرًا.
مسد على ظهرها بحنان أثناء دفنها لوجهها في صدره، خرج صوته هامسًا ليُهدئها بحزن دفين: اهدي يا حبيبتي، هما الاتنين هيبقوا بخير صدقيني، كفاية عياط بقى أنا مش قادر اتحمل وقع قلب أكتر من كدا.

صمتت «غزل» ثم رفعت أنظارها تُطالعه بترقب قائلة بحذر: مالك يا حبيبي! أنت كويس يا ريان؟
ابتلع «ريان» تلك الغصة المؤلمة التي بحلقه، ثم هز رأسه نافيًا وطبقة كثيفة من الدموع تشكلت في عيناه، ليخرج صوته مُتحشرجًا: حاسس إن روحي بتروح مني، أنا قلبي بيوجعني بطريقة تخوف وأنا كل دا ومستحمل، بس مبقتش قادر.

سحبته من يده ثم أجلسته على المقعد الموجود في آخر الرواق، جلست بالقرب منه ثم قالت ببكاء: متخوفنيش عليك، حاسس بإيه يا ريان! عايز إيه وأنا أعملهولك بس تكون كويس؟
أجابها بضعف وهو يرمي برأسه على كتفها: عايز ابني.
استندت برأسها على خاصته وبكت بصمت معه، وبعد ثوانٍ خرج صوتها قائلة بوهن: وأنا كمان عايزة ابني.

شعرت «غزل» بدموع «ريان» تسقط على كتفها حيثما يستند برأسه، وما أكد لها هو اهتزاز جسده الذي اشتد كثيرًا، ولسوء حظها لم تجد ما تواسيه به، فهي أيضًا ضعيفة مثله تمامًا، أغمضت عيناها ببكاء ثم أحاطته مُقبلة خصلاته بحنان وكأنها تواسيه بصمت، وكأن «مدثر» نام كل تلك الفترة ليعرف مدى حبهم الشديد إليهم، هو كان وسيظل بهجة عائلتهم الأولى، بِكرهم الأحب والأقرب لهم على الإطلاق.

عاد «سليم» للمشفى مرةً أخرى وكاد أن يدلف للداخل فوجد الشباب جميعهم جالسين على الأرض الخضراء بالحديقة الخاصة بالمشفى، سار تجاههم حتى وصل إليهم، وبدون أن يتحدث جلس جانبهم بصمت.
مر الوقت عليهم دون أن يشعروا، فقط شاردين لا يفعلون شيء سوى الصمت، وأخيرًا صعد صوت «عدي» الذي تسائل بحزن: تفتكروا هيفوق امتى؟

أجابه «إسحاق» مُبشرًا إياهم: قريب بإذن الله، قريب أوي كمان بس انتوا قولوا يارب.
آمن الجميع على حديثه وقلوبهم تنبض بألم، هم ليسوا فقط كأصدقاء، هُم أكثر من أخوة، تحدث «رياض» ببسمة واسعة لكنها حزينة، مُذكرًا إياهم بطفولتهم المشاكسة: فاكرين واحنا صغيرين لما كنا بنتجمع في بيت عمي يزن! كنا بننزل تحت السُفرة ونقرصهم وهما مش عارفين مين اللي بيعمل كدا.

اتسعت ابتسامتهم تدريجيًا وزاد الحنين لتلك الأيام التي افتقدوها كثيرًا خاصةً الآن، شعور الدفئ الذي كان يُحاوطهم وهم صغار مازال مُسيطر عليهم للآن، وهنا خرج صوت «سليم» ضاحكًا: ولما في مرة بابا قفش مدثر وهو بيبوس لوچي تحت السُفرة.
تدخل «سليمان» ضاحكًا بدموع تشكلت في عيناه رغمًا عنه: ولما مدثر اتعورت في المدرسة عشان كان بيدافع عننا واحنا صغيرين.

سحب «سليم» رأسه له قائلًا بقوة: اجمد ياض كدا وخلي عندك أمل في ربنا كبير، كل دي ذكريات حلوة عملناها عشان نفتكرها ونضحك بعدين، مش علشان نعيط يا أهبل، ولما مدثر يفوق هنفتكرها كلنا ونفكره بمصايبه وهو صغير.
مسح «سليمان» دموعه قائلًا بإشتياق: وحشني أوي الجذمة، مكنتش أعرف إن غلاوته غالية عندي كدا.

أخرج «عدي» زفيرًا قوي من داخل صدره مُجيبًا إياه بألم: كلنا يا سليمان، وحشنا كلنا ونفسي يرجع وسطنا من تاني.
صمتوا جميعًا مرة أخرى وهم يتذكرون أوقاتهم المرحة معًا، كانت طفولتهم بريئة للغاية، لا يوجد بها حزن أو ألم، يشتاقون لتلك الأيام التي مرت سريعًا، يشتاقون لذاتهم القديمة، والأهم. يشتاقون لمدثر كثيرًا.

انتفض «إسحاق» من مكانه ثم نظر إليهم متحدثًا بأمل: تعالوا يا شباب نروح نصلي وندعيله، تعالوا نطلب من ربنا يرجعلنا أخونا وسطنا من تاني، وأنا واثق إن ربنا مش هيخيب دعائنا ولا ثقتنا أبدًا.
استحسن الجميع اقتراحه فهبوا من أماكنهم أيضًا مُتجهين إلى المسجد، وأثناء سيرهم أحاط «رياض» ب«سليمان» ضاربًا إياه في معدته بمرح: متكشرش كدا ياض وخليك فريش الفرافيش، متبقاش بومة كدا.

تلك المرة ضحك «سليمان» عاليًا، وداخله يشكر الله على وجود مثل الصحبة التي تُهون عليه الكثير، دلف الجميع للمسجد بقلوب خاضعة لله عز وجل، وبدأوا في الوضوء مُرددين بصوت هامس اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين.

انتهوا ثم خرجوا من المرحاض بهدوء، يشعرون بالراحة في بيت الله، تلك السكينة التي تحتضن قلوبهم لتُربت عليها جعلتهم مُتيقنين بحُسن اختيارهم، وبعدها أقاموا الصلاة بنية شفاء صديقهم الحبيب، وبعدما انتهوا دعوا بفؤاد يرجو المولى عز وجل لإستجابة دعائهم، خائفين نعم، لكن مُتيقنين أيضًا.
رفع «سليمان» يده يدعو بصوت عالٍ نسبيًا وهُم يؤمنون خلفه: اللهم اشفي لي صديقًا كان بمثابة أخً لي.
آمين.

اللهم لا تُريني فيه ما يضره.
آمين.
اللهم أنت الشافي المُعافي الصادق الأمين فتقبل مني يا الله.
آمين.
اللهم اغفر له ذنوبه أولها وآخرها واجعله من عبادك الصالحين.
آمين.
اللهم أنت السلام ومنك السلام فأنزل السكينة والسلام على قلب رفيقي.
آمين.

وهل كنتم تظنون أن الخالق سيرد أيديهم وهي فارغة؟ وها قد جاءت الإستجابة الإلهية عندما اهتز هاتف «إسحاق» برنين خافت فوجده أبيه، أجاب بشيء من الخوف قائلًا بارتعاشة: السلام عليكم يا بابا.
أتاه صوت «موسى» الذي هلل بسعادة: وعليكم السلام يا حبيبي، أنت فين مدثر فاق.

هاربة من العالم إلى الظلام، تُفضل غيبوبتها بدلًا أن تعيش حياةً بدونه، أنفاسه كانت أكسير الحياة بالنسبة لها، وعندما سكن؛ سكنت روحها هي الأخرى، فاختفت معالم الحياة منها.

كانت «لوچي» مُتسطحة على فراش المشفى مُغمضة لعيناها لكنها مُستيقظة الذهن، هبطت دموعها بألم من بين جفنيها، لا تريد إكمال أيامها بدونه، ورغمًا عنها خرجت شهقة مُتألمة منها نتيجة لبكاؤها، لم تُلاحظ غياب والداها، كانت شاردة الذهن وعقلها معه هو فقط.

دلفت المُمرضة التي كانت معها من قبل فوجدتها تبكي بصمت، اقتربت منها مُقررة إخبارها عن استيقاظ زوجها علها تصمت قليلًا، وضعت يدها على كتفها تهزها بخفة قائلة: اهدي يا آنسة وكفاية عياط، المريض الحمد لله فاق.
توقفت عن البكاء بغتةً، وفتحت عيناها مُسرعًا ناظرة إليها بعدم تصديق وهي تسألها بلهفة: بتقولي إيه!

لاحظت تبدل حالتها قي ثوانٍ، لذلك أعادت عليها حديثها مبتسمة: بقولك إن المريض اللي كنتِ عنده فاق من شوية.
لم تستمع لباقي حديثها حيث انتفضت من مكانها مُهرولة للخارج بخطوات غير مُتزنة، يقتلها الشوق لإحتضانه والإرتماء بين ذراعيه ليُطمئنها، تريد أن تشعر به وتتلمسه، تريد أن ترتاح هي وقلبها.
قبل قليل...

تم نقل «مدثر» لغرفة عادية عندما تم فحص مؤشراته الحيوية والإطمئنان عليه، دلفت «غزل» أولًا فوجدته مُستندًا بظهره على الفراش ويظهر على محياه التعب الطفيف، اندفعت له مُحتضنة إياه وللأسف لم تستطيع السيطرة على دموعها.
أحاطت بوجهه بكلتا يديها مُقبلة كل إنش به وهي تُردد بالحمد لسلامته، هدئها «مدثر» بخفوت مُحتضنًا إياها بحرص قائلًا: بس اهدي يا ماما أنا كويس.

أحاطته «غزل» بقوة ثم انفجرت في البكاء، وهو لا يفعل شيء سوى تهدئتها، ابعدها قليلًا مُقبلًا جبينها، وبأنامله مسح دموعها الغزيرة التي تملأ وجهها بقوة مش شدة البكاء، ليقول بصوت خفيض مازح: إيه الدموع دي كلها يا غزالة، سيبتي إيه أنتِ عشان تنكدي على بابا؟
لما تُبالي «غزل» بحديثه، بل خرجت من أحضانه تتفحصه بعناية وهي تتسائل ببكاء: أنت كويس صح؟ حاسس بحاجة بتوجع؟

وتلك المرة أدمعت عيناه، حبها صادق لا يوجد به ذَرة كذب، دائمًا ما سيشكر والده على جلبه لتلك النعمة للمنزل، تعامله كأبنه بل وأكثر، دائمًا ما كان يسمع عن جشع زوجة الأب لكنها مُختلفة تمامًا، مسح دمعاتها مُتحدثًا بتحشرج: علشان خاطري اهدي أنا كويس والله يا ماما.
عانقته مرة أخرى قائلة بتحشرج: وحشتني يا نور عيني أوي، الدنيا كانت وحشة من غيرك أوي.

كل ذلك وكان «ريان» يُتابعهم بثبات، يشعر بأنه تماسك كل تلك الأيام غِبطةً، والآن يريد الإنهيار وإخراج ما بجبعته، رفع «مدثر» أنظاره لوالده فوجده يكتم دموعه بصعوبة، رسم ابتسامة طفيفة على ثغره ثم تسائل بحنين: موحشتكش يا بابا.

أغمض «ريان» عيناه بقوة يمنع بكاؤه ولا يعلم بماذا يُجيب ذلك المُغفل، وقفت «غزل» تبتعد عن فراش ابنها، ثم اتجهت نحو «ريان» مُمسكة بيده الباردة بشدة أثر هروب الدماء منها، ثم تحدثت بصوت مُشتاق: مدثر فاق يا ريان، ابننا بقى كويس.

حدجها «ريان» بتيهة وكأنه لا يُصدق وجوده حتى الآن، اقترب رويدًا من فراشه حتى جلس جانبه على الفراش الكبير نسبيًا، مُتسائلًا بتحشرج: أنت. أنت كويس!
هز «مدثر» رأسه بنفي ثم أردف بحنين: لأ مش كويس، محتاج تحضني.

أنهى حديثه فوجد ذاته مُحاضر بين ذراع والده الذي احتضنه بقوة شديدة، وهو لم يُمانع، بل بادله العناق بآخر أشد وكأنه يروي ظمأ تلك اللحظات التي قضاها يُقاوم الألم بدون وجوده، حينها تذكر تلك اللحظات عندما كان صغيرًا ويُجرح جُرحًا صغيرًا، كان يهرول لوالده الذي يستقبله بحنان يُقبل محل إصابته وكأنها ستلتئم بعد تلك القُبلة، وللعجب كانت تلتئم بالفعل؟

هبطت دموع «ريان» كمان هبطت دموع «مدثر» هو الآخر، علاقتهم ليست مجرد علاقة بين الأب وابنه، بل علاقة صداقة أيضًا مبنية على الحب المتبادل بينهما، حيث كان «ريان» بالنسبة ل«مدثر» كرفيق الدرب، يعشقه حتى أكثر من ذاته، ولو عاد الزمان لبادله نفس الحب ولكن أكثر.
أنت كويس!

همسة خرجت من فم «ريان» المُحتضن لإبنه الباكي، ليومأ له «مدثر» بنعم ثم أجابه بعاطفة جياشة: بقيت كويس بعد ما شوفتك، أنت اللي بتشحني طاقة عشان أعرف أكمل، طول ما أنا كنت نايم كنت سامع صوتك وأنت بتعيط مش قادر أقوم، وكأن فيه حاجة بتشدني وبتمنعني، وكمان شوفت، ااا.
حثه «ريان» على التحدث وكذلك «غزل» التي تقف على الجانب الآخر منهما: قول يا حبيبي شوفت مين!

أجاب بصوت خفيض حرج: شوفت ماما الله يرحمها.
قال الأخيرة وهو ينظر ل«غزل» يرى تعابيراتها، ظن أنها ستنزعج أو تغار، لكنه وجدها تبتسم له بحنان شديد، هبطت على جبينه تُقبله بحب أموي قائلة: مفكرني هزعل صح؟ بشكر مامتك من كل قلبي أنها خلفت ولد قمر زيك كدا، ودايمًا بدعيلها بالرحمة، عمري ما أكرهها أو أغير منها، بالعكس أنا كل ما أشوفك أنت وأبوك وأختك بدعيلها من قلبي على النعمة اللي سابتها ليا دي.

وطي كدا شوية يا غزالة أقولك كلمة سر.
انخفضت له «غزل» بضحكة خفيفة من طريقته المرحة، فوجدته يطبع قبلة قوية على وجنتها ثم أردف بعدها: بحبك يا غزالة والله.
ما توسعوا بقى خلوني أحضن أخويا كفاية كدا.

قالتها «منار» بشيء من الشوق والإنزعاج كما بقية العائلة، فابتعدت لها «غزل» ضاحكة تاركة إياها تحتضن أخاها بشوق وحنين شديدان، وأتبعت العناق بقولها المازح حتى لا تهبط دموعها بتأثر: وحشتني ياض يا مدثر والله، في الفترة دي حسيت بقيمتك أوي وعرفت قد إيه أنت غالي عندي.
ضحك «مدثر» بخفة وهو يحتضنها اكثر: والله؟ وعرفتي إزاي بقى؟

أجابته ببلاهة: غزل بقالها شهر معملتش المكرونة بشاميل بسببك، فعرفت قيمتك بقى.
دفعها حانقًا بعيدًا عنها مُردفًا بإستنكار: طب غوري بقى أبو دمك يا شيخة.
ضحك جميع من بالغرفة بمرح، واقترب «فارس» الذي فتح ذراعه له بشوق يشوبه المزاح: منور الدنيا كلها يا غالي يابن الغالي، هات بوسة ياض وحشتني.

قهقه «مدثر» عاليًا ثم احتضنه هو الآخر مُجيبًا إياه بعبث: وأنت كمان وحشتني يا غالي يا أبو الغالية.
سافل وهتفضل طول عمرك سافل يابن ريان.
جاء الجميع من خلفه فيما هم أعمامه وزوجاتهم وكذلك الفتيات اللواتي رحبوا به بلهفة وسعادة جلية، دار «مدثر» بعيناه متسائلًا بإستغراب: فين لوجي!

نظر له الجميع بصمت ولم يُجيبوه، وبالطبع لن يخبروه بأمر مرضها وانهيارها العصبي الذي دلفت به دون قصد بسببه، لذلك تحدث «ريان» بهدوء: هي تعبانة شوية بس عشان كدا روحت ترتاح.
انتفض قلب «مدثر» بهلع متشدقًا بخوف: إيه! تعبانة مالها يعني!

وما كاد أن يُجيبه بكذب، حتى وجد باب الغرفة يُفتح على مصرعيه و«لوچي» تدلف منها بنظرات لاهفة تبحث عنه، توقفت فجأة عندما وجدته جالسًا أمامها على الفراش، ابتسمت تزامنًا مع هطول دموعها بكثرة، وهمسة واحدة خرجت بإسمه بعدم تصديق أثناء انطلاقها لإحتضانه: مدثر.

التمعت عيني «مدثر» بعشق جارف عند رؤيتها، وكأنه لم يراها منذ عدة أعوام ليس شهر واحد، فتح ذراعه يحثها على الإقتراب منه، وبالفعل لبت رغبته عندما هرولت إليه مُحتضنة إياه بقوة بالغة، وكأنها تريد إدخالها داخل قلبها لتُغلق عليه ولا تسمح له بالخروج، علت شهقاتها وزاد بكاؤها وهي تُتمتم ببعض الكلمات الغير مفهومة بسبب بكاؤها، هدهدها بحنان مُربتًا على ظهرها بهدوء، وتارةً أخرى يُقبل رأسها من أعلى حجابها المُشعث بحنان، وأخيرًا خرج صوته الحنون قائلًا: كفاية عياط يا روح قلبي عشان خاطري، أنا كويس والله.

كانت تحتضنه بقوة وكأن ما يقوله لا يكفي لطمأنتها، خرج صوتها هامسًا ببكاء عنيف ترجوه: متسبنيش تاني يا مدثر.
قبلها من جانب عنقها أثناء احتضانه لها مجيبًا إياها بهمس: مش هسيبك أبدًا يا عيوني، خلاص عشان خاطري.
أوعدني إنك مش هتسيبني.
قرر مشاغبتها حتى تكف عن البكاء، فأردف بعبث ماكر تعشقه هي حد اللعنة: لن أترككِ يا لبابة القلب.

ضحكت بخفة وهي بين ذراعيه، فأخرجها من بين أحضانه مُجففًا دمعاتها بهدوء أثناء قوله المُشاكس: بقى العيون الحلوة دي تعيط عشاني! يا ستي هاتي بوسة بقى عشان أصالحك.
وبالفعل قبلها من وجنتها اليُمنى أمام الجميع دون ذَرة خجل، وبعدها اليُسري، وكاد أن يقترب أكثر حتى شعر بيد «فارس» تقبض على تلابيه صارخًا به بضيق زائف: أنت هتعمل إيه يلا سيب البت، هتخدش حيائها كدا.

نظرت «لوچي» لوالدها بضيق بعد أن مسحت أهدابها من الدموع العالقة بها، ثم أردفت بسخط: يوه! ما تسيبه يا بابا يبوسني!
أيدها «مدثر» ضاجرًا: أيوا. ما تسيبني يا عمي أبوسها!
أنهى حديثه ثم استدار لها يجذبها لأحضانه مرة أخرى وهو يقول: تعالي يا روح الروح في حضني وميهمكيش حد.

أشار فارس» ل«ريان» بضجر تجاه «مدثر» هاتفًا بصياح: شايف ابنك وتربيته! ما تلم ابن يا ريان.
تأفف «ريان» وهو يجيبه: ما تسيبه يبوسها يا فارس الله؟ الواد لسه طالع من غيبوبة وعايز يطري على قلبه يا جدع.
أنا بتكلم معاك أنت وابنك ليه، أنا هاخد بنتي ونمشي من هنا.
جذبها من يدها لتتشبث ب«مدثر» أكثر وهي تنفي برأسها: لأ أنا هفضل مع جوزي هنا.

تشكلت ابتسامة بالهة على ثغر «مدثر»، فأدار وجهها إليه قائلًا بهيام: قولي جوزي كدا تاني.
أخفضت «لوچي» رأسها للأسفل قائلة بحرج: بس بقى يا مدثر بتكسف.
تشنج وجه «فارس» وهو يردد خلفها كلمتها الأخيرة: بتكسف!
وعلى بغتة منها ومنه جذبها لتقف جانبه مُثبتًا إياها، ثم كز بين أسنانه بغضب: كلمة سافلة كمان منك ومنه وهخليه يطلقك، يخربيت قلة الأدب يا جدع أنت وهي.

استمع الجميع لضجة وفوضى قادمة من الخارج، تبعها دخول الشباب جميعًا وهم يصيحون بمرح: كفارة يا نمس، صاحبي اللي مني، حبيب قلبي، تتجوزني ياض!

والكلمة الأخيرة خرجت من فم «رياض» الذي قالها ببلاهة، لينظر الجميع له بإشمئزاز وشك استعجبهم، وثوانٍ كان الجميع ينفجرون في الضحك، وعلى بغتة هجم الخمس شباب على «مدثر» يحتضنوه باشتياق جارف، فصاح مدثر بنفس مكتوم وهو يلهس: الحقوني. هموت بجد المرادي يخربيت التحرش.

أبعد «ريان» الشباب عن ابنه ثم صاح بما جعل الجميع يُصيح بسعادة: اعملوا حسابكم فرح «مدثر ولوچي» آخر الأسبوع دا، يعني بعد يومين من النهاردة.


look/images/icons/i1.gif رواية 🎭 حين يتحوّل العشق إلى معركة 🤣 حب يجرح.. ونعال يطير: يوميات أسرة خارج السيطرة
  21-09-2025 06:12 مساءً   [5]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 28-07-2025
رقم العضوية : 9
المشاركات : 62
الجنس :
قوة السمعة : 10
جاء اليوم الذي سيخرج به «مدثر» من المشفى، تجمعت جميع العائلة في الغرفة المُحتحز بها رغم إعتراض الطبيب على ما يفعلونه من ضجة وأصوات عالية، لكن «يزن الراوي» استخدم نفوذه وعلاقاته الكبيرة لتركهم كما يشاءون.

كانت الغرفة تعج بالضجة من أحاديثهم الكثيرة، حاول «سليم» التحدث لكنه لم يستطيع بسبب أصواتهم العالية، لذلك صاح بهم بصوت عالي: اسكتوا بقى خلوني أقول أم الكلمتين اللي عندي.
تلك المرة انتبه له الجميع صامتين بتعجب، نظر «سليم» لأبيه متسائلًا: هتتكلم أنت يا بابا ولا اتكلم أنا!
أشار له يزن بسخرية لاويًا شفتيه باستنكار: اتكلم أنت ياخويا، أنا مش عارف أنت مستعجل على إيه!

حمحم «سليم» ينظف حنجرته حتى يصعد صوته واضحًا، ثم نظر للجميع وتوقفت أنظاره على شهاب الذي يُتابعه بإهتمام كالبقية، ثم أردف مُوجهًا حديثه له بإحترام: بعد إذنك يا عمي أنا طالب إيد بنت حضرتك جميلة.
نظر شهاب خلفه ببلاهة صامتًا لبرهة، وبعدها تمتم ببلاهة: محدش ورايا، أومال بيكلم مين؟
أشار لذاته وهو يتحدث بغباء: أنت بتكلمني أنا يابني.

علق عليه يزن ساخرًا: لأ بيكلم أبوه يا شهاب، على العموم هو مش بياخد رأيك هو بيعرفك بس، ابني كدا كدا هيتجوزها، احنا قولنا نعمل بالأصول ونقولكم.
لوى شهاب شفتيه ساخرًا مردفًا بتأثر زائف: لأ كتَّر خيركم والله، متنسوش تعزموني بقى.
أجابه سليم بثقة مؤكدًا له: متقلقش يا عمو أنا ابن أصول ومتربي برضه وأكيد هعزمك.
هُنا واعترض إسحاق صائحًا بحنق: وأنا كمان عايز أتجوز اشمعنا أنا؟

حدجه موسى بإستنكار ثم هتف بتشنج: وأنت ملكش أهل يا روح خالتك ولا تكون لقيط وأنا مش عارف؟
جعد إسحاق جبينه بضيق بعد أن أمسكه أبيه من تلابيبه، ليُحاول فك حصاره وهو يقول مُبررًا: والله كنت هقولك يا والدي بس مجتش فرصة الله!
دفعه موسى بعيدًا عنه سائلًا إياه: وعايز تتجوز مين بقى إن شاء الله؟

رسم إسحاق إبتسامة بلهاء على ثغره، وبعدها وجَّه حديثه ل أحمد الذي يُتابع الحديث كالبقية، ثم أردف بحماس: أنا طالب إيد بنتك حور يا عمي تكون زوجة ليا وأم لعيالي وجدة لأحفادي وشريكتي في قبري بعون الله.
ورغم صدمة أحمد في البداية، إلا أنه لم يتفاجأ كثيرًا، فقد كان يرى نظراته العاشقة لإبنته وهو أدرى بتلك النظرات، أشاح بيده أمام وجهه ثم أردف حانقًا: خُدها ياخويا لو عايز من دلوقتي.

هبّ إسحاق من مجلسه بجانب أبيه، ثم ذهب إليها حيث تقف بجانب أبيها يرتسم على محياها الخجل: إي دا بجد عادي كدا؟
وما كاد أن يمد يده وينتشلها من جانبه، حتى منعه أحمد الذي هتف بسخط صارخًا به: ارجع ورا يا حيوان أنت ما صدقت؟
عاد إسحاق مكانه مرة أخرى بضجر غافلًا عن تلك التي تكاد أن تنصهر من الخجل، وهُنا صعد صوت سليمان حانقًا والذي أردف وهو ينظر لأبيه: أبا وأنا كمان عايز أتجوز.

وما كاد أن يُجيبه أبيه؛ حتى صدحت الزغاريد تملأ المكان من فم ميران والتي اتجهت إليه بسرعة تحتضنه قائلة: ألف مبروك يا روح أمك، ألف مبروك يا حبيبي.
صعد صوت محمود المُستنكر قائلًا: طب أروح أنا أدفن نفسي طالما معنديش رأي؟
شهقت ميران بعنف من حديثه، وبوقاحة اعتاد عليها الجميع اقتربت منه بعد أن دفعت سليمان الذي حدجها باستنكار، قائلة بحب: يقطعني اخس عليك متقولش كدا يا حودة!

تحدث ريان بعبث وقح قائلًا بمساكشة ل محمود: طب إيه يا كبير! نسيبلكم الأوضة ونمشي!
حمحم محمود بحرج من أفعال زوجته المعتوهة، فنظر لإبنه سائلًا إياه ليُغير مجرى الموضوع كُليًا: وأنت عايز تتجوز مين يا سليمان.
أجابه سليمان بوله: الحب الحب. الشوق الشوق. بولوبيف بولوبيف. عايز أتجوز ميادة يا حج.

أحنت ميادة رأسها بخجل شديد من أنظار الجميع المُصوبة عليها، ورغم فرحتها العارمة إلا أنها لم تستطيع التعبير عنها في وجودهم، تحدث معتصم براحة والذي كان يُجاور سجود في جلسته: طيب كدا الحمد لله واحدة وهتتجوز، عقبال التانية بقى.
حدجته زينب بإستنكار شديد، وبعدها تفوهت قائلة بما صدم الجميع: طب أنا كمان عايزة أتجوز بقى إشمعنا أنا.

ظن الجميع أن معتصم سيغضب، لكنه أطلق زغرودة من فمه تبعه قوله المُهلل: يا فرج الله، البنتين هيغوروا في ليلة واحدة، بركة يا جامع.
نكزته سجود بخفة في جانبه ليصمت، ثم استدارت لإبنتها تسألها بترقب: وأنتِ عايزة تتجوزي مين يا زينب ياختي؟
أجابتها زينب بحماس: الواد صاحب سليمان، وكان هيجي يتقدملي بس منه لله مدثر بوظلي السبوبة.
لوى مدثر ثغره بتشنج قائلًا: تسلمي يا متربية يا بنت الأصول.

ضجر رياض منهم والذي قال باقتراح ونبرة مرحة: كدا مفاضلش غيري أنا و رهف فأنا هتجوزها عشان بسكوتة زيي و...
وما كاد أن يُكمل حديثه، حتى وجد حذاء شهاب يحتضن وجهه بقوة، تبعه صوت شهاب الحانق: عايز تتقدم للبت اتقدملها بإحترام، مش هيبقى أنت والمُهزق التاني.
حكَّ رياض وجهه بألم صائحًا بحنق: جرا إيه يا عمي مش كدا الله؟ على العموم عمي يزن هيقول لبابا وهتجوز مع سليم.

صفق ريان بيده ليجذب إنتباه الجميع وبالفعل حصل على مراده، وبعدها أردف بصوت جاد وبه بعض المزاح: طيب بما إنكم قررتوا تدخلوا عِش الزوجية مع بعض، قررت أنا. وأعوذ بالله من كلمة أنا. ريان الطحاوي، إن الأسبوع الجاي هيكون فرح مدثر وعدي مع بعض بما إنهم كتبوا الكتاب، وآخر الشهر يبقى بقيت الشباب، إيه رأيكم؟

هلل الجميع بسعادة عارمة، لكن صاح عُدي مُعترضًا: لأ يا عمي أنا هتجوز مع الشباب آخر الشهر دا عشان الشقة فاضل فيها حاجات بسيطة وأنا ومنار متفقين على دا.
لم يهترض بل وافقه مُباركًا: مفيش مشكلة، على خيرة الله. مُبارك عليكم يا شباب.
ووسط كل التهيليلات والسعادة التي حلت على الجميع، سحب مدثر يد لوجي له لتجلس جانبه على الفراش، ثم قبلها بقوة على وجنتها قائلًا بسعادة: وأخيرًا هنتجوز يا لبابة القلب!

ردت له لوجي قُبلته مُتحدثة بسعادة: روح قلب لبابة القلب يا دوسي.
انتبه فارس له فقام بجذب لجانبه مُوبخًا إياه: ابعد عن البت يا قليل الأدب، أنت بتستغل طيبتها؟
ورغم غيظ مدثر منه؛ إلا إنه قام بتحريك حاجبيه معًا قائلًا بمشاغبة: على آخر الأسبوع هتكون في بيتي وفي حضني وفي أوضتي والجدع اللي يتكلم بعد كدا بقى.
شايف قلة أدب ابنك يا ريان؟

هتف بها فارس مُغتاظًا، يحاول بشتى الطرق أن يُلهي نفسه عن فكرة أن ابنته ستبتعد عنه بعد سبعة أيام فقط! ربت ريان على كتفه قائلًا بلطف: خلاص بقى يا فارس، ما ابنك عمال يحضن في البت اللي حيلتي وأنا متكلمتش يا جدع!
حوَّل فارس أنظاره لإبنه، فوجد عدي يُحيط ب منار من كتفها يهمس لها بكلمات مجهولة ومُبهمة بالنسبة لهم وهي لا تتحدث، بل تُخفض رأسها بحرج فقط!

نفخ فارس بضيق مُتمتمًا بصوت مسموع غاضب: عِيلة مشافتش خمس دقايق تربية قسمًا بالله.

مرَّ أسبوع وسط فرحة الجميع بعودة مدثر بينهم من جديد، وبدأوا في تجهيز الزفاف الذي سيُقام له، عرض عليهم يزن أن يكون حفل الزفاف في الفيلا الخاصة به لكنهم رفضوا ذلك، ومع إصرار سليم ورياض وافق الجميع أخيرًا.

كانت لوچي تجلس بالغرفة التابعة للفيلا والمجاورة لغرفة بيان إبنة يزن، إلتف الفتيات حولها يُطالعونها بإنبهار، فقط كانت كأنها أميرة تخرج من إحدى القصص، طالعتها بيان بأعين مُلتمعة ثم احتضنتها قائلة بسعادة: بجد You so beautiful.

نظرت لوچي لهيئتها مرة أخرى وكم نال مظهرها إعجابها وبقوة، عضت على شفتيها بحماس وهي تتخيل ردة فعل مدثر ما إن يراها، كم شعرت بالخجل خاصةً وأنها ستكون محل أنظار الجميع اليوم، ارتبكت عندما استمعت إلى صوت السيارات المُهللة بالأسفل، فجذبتها حور للشرفة لرؤية الإحتفال المُقام بالأسفل، وكذلك ذهبت جميع الفتيات الذين يرتدين ثيابهم هن الاخريات.

وبالأسفل، استقل كل شاب سيارة سوداء كلٌ منهم على حدة، منهم سيارة تابعة لعائلة النويهي، والأخرى لعائلة أبو زيد، وأربعة أخريات تابعة لعائلة الراوي، وثلاثة تخص أصدقاء مدثر، ولحسن حظهم كانت جميع السيارات سوداء اللون.

سارت خمس سيارات سوداء على الجانب الأيمن، وخمس على الجانب الأيسر، وبالمنتصف السيارة البيضاء التي يُزَف بها مدثر، توقفت السيارة بالمنتصف، ودارات السيارات حوله في مظهر دائرة يدورون حوله، تعالت التهليلات والصافرات خاصةً عندما أخرج رياض رأسه من السيارة مُطلقًا بعض الألعاب النارية التي تصاعدت في السماء، وكذلك تبعه الشباب في تلك الفعلة مرة أخرة.

وبعد الكثير من الرقص والإحتفالات، وجد الفتيات باب الغرف يطرق بخفة وبعدها دلف فارس الذي ما إن وقعت عيناه على إبنه وهي مرتدية زي الزفاف حتى أدمعت عينيه تأثرت، تسللت الدمعات لعيناها ثم انطلقت إليه قازفة بين أحضانه، إلتقطها فارس بين ذراعيه مُحيطًا إياها بقوة، وكذلك هي أحاطت برقبته كالطفلة الصغيرة المُتشبثة بأبيها، أبعدها قليلًا عنه مُقبلًا جبينها، ثم همس لها بعاطفة جياشة: أجمل وأحلى بنوتة شافتها عيوني، مُبارك يا قلب أبوكِ، ألف مبروك يا حِتة من قلبي.

شهقت لوچي ببكاء ثم أردفت من بين بكاؤها: والله هتخليني ما أتجوز وأقعد جنبك، وبعدها أمشي في الحرام مع الواد بسببك!
ضحك فارس بخفة مُعيدًا رأسها مرة أخرى على صدره قائلًا: قليلة الرباية ومفيش إختلاف على دا.
ابتعد عنها عندما استمع لطرق الباب والتي لم تكن سوى والدتها التي ما إن رأتها حتى انفجرت باكية، لطمت لوچي على وجهها قائلة ببكاء: يالهوي عليا عاملة ميكب ب5000 جنيه وهيبوظ بسببكم.

نسيت زهر بكاؤها ولطمت على صدرها بصدمة قائلة: يا مصيبتي! 5000 جنيه ليه هتنوري في الضلمة!
عدلت لوچي من فستانها وهي ترفع رأسها بتكبر: مدثر حبيبي مش بيستخسر فيا حاجة يا مامي.
أحنى فارس ذراعه لها لتُدخل يدها بينها، فأردف فارس بسخرية: طيب يلا ياختي عشان عريس الغفلة مستنيكِ تحت.

سارت مع والدها للأسفل وذلك بعد أن قام الفتيات بضبظ ثوب الزفاف الأبيض الخاص بها، هبطت السلالم وهي تتأبط بذراع فارس، وبالأسفل ينتظره مدثر الذي يرتدي بذلة سوداء حالكة، ويُمسك بيده باقة من الورود الحمراء، وما إن رآها حتى فتح عيناه بإنبهار بجمالها الخلاب الذي ازداد جمالًا، صفَّر بفمه ثم صاح عاليًا دون أن يُعطي إهتمامًا لمن حوله:
صلي على رسول الله، يمين بالله صاروخ وماشي على الأرض.

امتلأ المكان بصوت ضحكات المعازيم، بينما هو صعد الدرجتان المتبقيتان مُنتشلًا إياها من يد فارس الذي صاح به بحدة: خُد يلا واخد البت ورايح على فين!
قهقهت لوچي عاليًا وهبطت بتمهل معه، وأول ما فعله عندما هبطوا على الأرض السيراميكية؛ احتضنها بقوة هامسًا لها بشغف: كنتِ قمر وبقيتي قمرين، يا بختي بيكِ أقسم بالله.

دفنت لوچي وجهها بصدره وكم خجلت منه بشدة، رغم أنها مُعتادة على تلك الأحاديث منه، إلا أن تلك الليلة مُختلفة عن باقيها، فهي ستكون زوجته شرعًا وقانونًا، وهذا ما يُخجلها عند التفكير به.
طلب منهم مُجهز الحفلات الخروج إلى الردهة للرقص سويًا، عاد الجميع إلى طاولاتهم للجلوس عليها، بينما هو أخذها للمنتصف مُحيطًا لخصرها بيده، وهي أحاطت عنقه، وصمتوا.

صمتوا وتحدثت العيون بحديث طويل لم يعلمه سواهم، أفئدتهم تناسجت بخيوط عشقهم المتينة، وأجسادهم تتلاحم برقصة رقيقة المشاعر، وبعد دقائق معدودة، كرر مدثر مع الأغنية التي تصدح بمشاعر فاقته أضعافًا مُضاعفة، وكأنه يقصدها هي بكل كلمة مما قيلت:
ملكة جمال الناس. دلوقتي مِلكي خلاص. يا مثبت الإحساس جواها ثبتني. هقفل عليها بِبان. مرضاش جمالها يبان. من حقي ما انا كسبان. ويا بختي حبتني.

وعلى الجانب الآخر. كان ريان يجذب غزل رغمًا عنها لساحة الرقص ليشاركوا بها، حاولت غزل جذب يدها منه وهي تُصيح بغضب خافت: بس يا ريان الناس تقول علينا إيه؟
يا غزالتي تعالي بقى ومتغلبنيش، طب والله لهنرقص برضه ها.
خضعت له ولعناده وذهبت معه على إستحياء لساحة الرقص ليشاركوا مدثر ولوجي في رقصتهم، غمزه مدثر بعبث وهو يتحرك بخفة مع زوجته: والعة معاك يا والدي ها!

أحاط ريان بخصر غزل ثم أجابه بعبث مُماثل له: طول عمري رايق وأنا اللي معلمك ياض.
وجاء معهم عدي ومنار أيضًا ليُشاركوهم في الرقص، لتقول لوجي بمزاح: دا بقى رقص جماعي بقى.
ضحك مدثر بخفة وبعدها قال بمكر وهو يقترب منها أكثر: ما تجيبي بوسة يا لبابة القلب لحد ما نكون لوحدينا.
أجابته بدلال وهي تُحيط بعنقه: تؤ بتكسف.

انتبه مدثر لوالده وركز ببصره على حركة شفتيه ليستطيع فهمه، وبالفعل أدرك ما يريده وقام بتنفيذه، وبثوانٍ كان مدثر يدفع لوچي لأبيه، و ريان يدفع غزل ل مدثر، فأصبحت الأدوار مُتبادلة بينهم.
التقط ريان زوجة ابنه بفستانها الكبير والتي شهقت بخضة، ليقول لها بمزاح: اسم الله عليكِ يا مرات ابني.
تحدثت لوچي بخضة: حرام عليك يا عمو أنت وابنك والله.

دافع ريان عن ابنه قائلًا بمسكنة: والله ابني دا غلبان وطيب وعلى نياته، وأنا عايز أوصيكِ عليه يا بنتي، خلي بالك منه أصله بسكوتة خالص وبتكسف من خياله.
أكدت له لوچي ساخرة: مصدقاك يا عمو من غير ما تحلف، هو أنا هتوه عن مدثر وأخلاق مدثر العالية اللي الكل بيشهد بيها؟
وعلى الجانب الآخر. قبَّل مدثر وجه غزل مُردفًا بمزاح: إيه الحلاوة دي يا غزالة؟ أنتِ جاية تاكلي علينا الجو أنتِ وبابا ولا إيه؟

أجابته غزل بحنق: والله أنت مش هتتهد ولا تعقل أنت وأبوك أبدًا غير ما أطفش وأسيبلكم البيت.
عاتبها قائلًا: ومين اللي هيعملنا المكرونة بشاميل؟
كزت على أسنانها بغيظ، ليُقهقه هو عاليًا ثم قبَّلها من جبينها قائلًا بحنان: خلاص متزعليش أنا معنديش أغلى منك ومن بابا.

ابتسمت غزل بخفة ومازال هو يُراقصها: طالع بكاش زي أبوك، بكلمتين كنا نتخانق من هنا وأحلف يمين تلاتة ما أنا مكلماه، ويجي يقولي يا غزالتي ببقى هاين عليا أدوب من حلاوته.
قهقه مدثر عاليًا، وعلى حين بغتةً قاموا بتبديل الأدوار هو و عدي تلك المرة بعد أن أداروهم حول أنفسهم، لتُصبح غزل بين يدي عدي و منار بين يدي شقيقها.
طالعته غزل بغضب ليقول عدي بخوف مصطنع: مليش دعوة ابنك هو اللي غمزلي وقالي أعمل كدا.

صبرك عليا يا عدي، كلها أسبوعين وتكون جوز بنتي وهتشوف شغل الحموات اللي على حق.
اصطنع عدي الحزن وهو يقول: وأهون عليكِ يا حماتي يا عسل.
منعت غزل ضحكتها من الظهور قائلة بترفع: آه تهون عادي.
بينما على الجانب الآخر. هبط مدثر على وجنة شقيقته يُقبلها بحنان، تبعه قوله المُحِب: حبيبة أخوها يا ناس.
أحاطت منار بعنقه قائلة بحزن زائف: لأ ما أنت هتنساني بقى بعد جوازك من الست لوجي اللي هتاخدك مننا.

نفى قائلًا بحنان: عيب الكلام دي يا صعلوقة، دا أنا اللي مربيكِ يعني أنتِ بنتي مش أختي.
مازحته منار تردف بمشاكسة: أي نعم تربية مش ولا بُد بس همشيها عشان خاطر عيونك الرمادي دي.
ضحك مدثر عاليًا ثم غمزها قائلًا: تربية عسل ومحترمة يابت.

وكما حدث منذ قليل، أدار الشباب الفتيات وعاد كل منهم لموضعه ومسكنه الطبيعي، عادت منار ل عدي بعد أن رمت له إبتسامة ساحرة سلبته للمرة التي لا يعلم عددها، وعادت لوچي ل مدثر الذي شدد من احتضانها وكأنها غابت لسنوات، وأخيرًا عادت غزل ل ريان الذي همس لها بعشق بعد أن استند بجبينه على خاصتها: ودا يعلمنا إيه! إنك مهما تلفي وتدوري فمكانك هيفضل هنا. معايا وفي حضنك.

اقتربت الفقرة من الإنتهاء. وختمها مدثر بحمله ل لوچي يدور بها بسعادة وهو يصرخ عاليًا: بحبك.
ضحكت بشدة على فعلته المُتهورة وهمست له بعشق بعد أن أنزلها: وأنا بموت فيك.
جاء بعد ذلك الشباب لأخذه أما هي فجلست مكانها على مقعد العروس لترتاح من تعب النهار قليلًا، تاركة إياه مع حفنة من المجانين المُسمين بأصدقائه.
تيس تيس. الله. الله الرجاء الإنتباه.

هتف بها رياض الذي يرتدي نظارة سوداء كحال الشباب الباقيين والمُلتفين حوله، انتبه له جميع المعازيم، فكز يزن على أسنانه قائلًا وهو يميل على عمر الذي يُتابع ما يحدث بحماس: الله يخربيتك أنت وابنك يا عمر، الزفت دا بيتنيل بيعمل إيه هيفضحنا.
أشاح عمر بيده بلامبالاة قائلًا: اسكت بقى يا يزن وسيب الواد في حاله وسيبني أنا كمان أتفرج.

وعلى الجانب الآخر أكمل رياض حديثه مُردفًا بدرامية: سيداتي سادتي برجاء الإنتباه، اليوم هو حفل زفاف صديقي العزيز مدثر، يعني الحب والرجولة والمحترم أوي أوي أوي، فحبيت أنا والشباب نقدمله عرض كدا يليق بهيبته كعريس.
صمت قليلًا ثم غمز له قائلًا بغناء: تيچي نتچوز بالسر، تيچي ناخد بيت بعيد بيبي، ريمكس رياض حاحا، احم كنت بجرب الميكروفون بس.

قال جملته الأخيرة بإحراج عندما استمع لصوت الضحكات تعلو من حوله وبعدها قام بالإشارة إلى أحدهم بعد أن هبط وسط أصدقائه صارخًا به: شغَّل يا بلية.
وبعدها صدحت الأغنية ليرقصوا عليها بعد أن داروا على هيئة حلقة كبيرة تضم بها جميع الأصدقاء هاتفين بصوت واحد:
بصي يا دنيا أنا ضهري زميلي...
لو أقع في شدة في دقيقة بيجيلي.
أنا خصمي صاحبي خصمي يا ناس ميري.
ده أخويا يا جيهة.
ده بعلو صوتي بنده فوقوا بقى.

ده زميل تميلي، أخويا يا منطقة.
ضهره في ضهري في عراك أو شقى.
صاحبي قضيها.

وانقضت الليلة ما بين رقص ومرح ولهو وسعادة طغت على الجميع، سواء كبيرًا أو صغيرًا، وعاد العروسين إلى منزل الزوجية الخاص بهم، بعد معاناة كبيرة وسنوات قضوها معًا مليئة بالحب والأُلفة والمودة، حتى جاء هذا اليوم الذي انتظروه بفارغ الصبر وبصدرٍ رحب، ليُعلن مدثر للجميع بأنه يعشقها ولم يتوانى لحظة في إسعادها، حتى سلمت هي رايتها البيضاء، وأصبحت زوجته شرعًا وقانونًا.

باليوم التالي...
ظل فارس يزرع الغرفة ذهابًا وإيابًا وكأنه يسير على جمرات تقوم بإحراقه، بينما زهر تُراقبه بإبتسامة حاولة إخفاؤها قدر المُستطاع، ولسوء حظها لم تستطيع منعها أكثر ولاحظها فارس الذي صرخ قائلًا: بتضحكِ على إيه أنا عايز أعرف؟ وبعدين أنا مش عارف مين اللي المفروض يكون كدا، أنا ولا أنتِ؟
وقفت زهر من مكانها ضاحكة أثناء قولها الغير مُصدق: أنت بتهزر يا فارس؟ أنت عايزنا نروحلهم الفجر؟

برر فارس قائلًا: وفيها إيه يعني! أنا عايز جوز بنتي يصلي الفجر عشان ياخد بإيد بنتي للجنة، اسكتِ أنتِ إيش عرفك.
جذبت يده برفق حتى أجلسته على الفراش مُربتة على ذراعه بلين: طيب نام دلوقتى يا حبيبي والصبح هنروحلهم، على الأقل يكونوا صحيوا من النوم.

لم يقتنع من البداية، لكن مع إصراراها خضع أخيرًا وذهب في ثباتٍ عميق بسبب إنهاك جسده طيلة النهار، هو مُتعب ويحتاج للراحة لكن قلبه يتآكل على فِلذة كبده، لا يستطيع إستيعاب بأنها لا تبيت في منزل أبيها اليوم، لقد ذهبت إلى منزل زوجها للأبد!

مش أنا قولتلك يا زهر صحيني الساعة عشرة! لسه سبتيني دا كله؟
هتف بها فارس أثناء ربطه لرباط حذائه وبجانبه وقفت زهر التي تُمسك بعض المشتريات لإبنتها، والتي هتفت ساخرة: يا فارس أنت كنت نايم زي القتيل مش حاسس بأي حاجة وأنا مالي.

نفخ فارس بغيظ بعد أن اعتدل ثم حمل منها بعض الحقائب وهبط للأسفل، ليجد الجميع في إنتظارهم، ورغم أن منزل مدثر لا يبعد عنهم سوى ببضعة خطوات؛ إلا أنهم ارتدوا أفضل الثياب وأحسنها، خاصةً الشباب المُتلهفين لرؤية صديقهم بعد أول ليلة من الزواج!

دلف الجميع ثم صعدوا لمنزله وأول من طرق الباب هو ريان، ظلوا ثانية وثانيتان لكن لا يوجد رد، قام بالطرق مرة أخرى لكن كانت نفس النتيجة لا يوجد رد، فدفعه فارس حانقًا ثم طرق على الباب بحدة: افتح يلا يا ابن ريان. عملت إيه في البت يلا قتلتها صح؟

حدجه الجميع باستنكار لكنه لم يبالي وظل يطرق حتى فتح مدثر الباب بوجه مُمتعض صارخًا بهم: إيه قلة الذوق اللي حلت عليكم دي أنا مش فاهم، الرسول قال خبطوا 3 مرات وبعدها غورورا لو مفيش رد مش تخبطوا مليون مرة!
دفعه فارس من كتفه بحدة ثم سبه قائلًا: يعني أنت يا حيوان سامعنا ومع ذلك مفتحتش برضه!
كنت لسه هصحي البت بس انتوا قطعتوا عليا اللحظة اللي بتمناها من زمان.

قالها بحنق، فضربته غزل على كتفه بخفة وهي تضحك: يخربيت قلة أدبك ياريتك كنت طردتنا أحسن.
احتضنها مدثر ضاحكًا وهي كذلك، ثم أردف بعبث: لأ أنتِ عارفاني محترم مقدرش أطرد حد من بيتي.
تشنج وجه غزل مُكررة كلمته باستنكار: محترم آه على يدي.
أفسحت الطريق ل ريان الذي احتضن ابنه متشدقًا بمكر: ابني فخر العرب.
غمزه مدثر مُمازحًا: والمناطق والمجاورة وحياتك يا والدي.

وبعدها أكمل التحية مع أعمامه وأصدقائه الذي لم يسلم منهم ومن خبثهم المُشابه له، جلسوا جميعًا على الأريكة بعد تبادل السلام، فتسائل فارس مُمتعضًا: فين بنتي ياض.
أجابه مدثر باستفزاز: جاية أهي.
جاءت بتلك اللحظة لوچي التي تُعدل من حجابها ثم اتجهت تلقائيًا إلى أبيها الذي التقطها بين يديه مُحتضنًا إياها: وحشتيني يا قلب أبوكِ.
وقلب جوزها كمان يا حمايا.

قالها مدثر بكيد لإغاظة فارس وبالفعل نجح في ذلك، ليزمجره قائلًا: متدخلش بيني وبين بنتي يلا بدل ما أخدها وأمشي وربنا.
قضى الجميع وقتًا لطيفًا ما يقرب الساعتين، وكان كلًا من مدثر ولوچي فرحين بتلك الجلسة حتى جاء موعد ذهابهم، استأذنوا جميعًا بينما اعترض فارس مُتمددًا على الأريكة براحة: روحوا انتوا بقى أنا هبات مع بنتي الليلة دي.

كز مدثر على أسنانه قائلًا بحقد: يا رب الصبر بدل ما أخنقه ويقولوا قتل حماه واتسجن بسببه.
رسم مدثر ابتسامة صفراء على ثغره ثم أردف بإحترام زائف: كان نفسي يا عمو والله بس احنا بننام من المغرب معلش.
تصنع فارس الدهشة فتحدث بعدم تصديق: احلف! إيه الصدفة الحلوة دي! أنا كمان بنام من المغرب، حيث كدا بقى أنام معاكم المرادي.

ضجر ريان من مشاكسته لإبنه فذهب إليه ساحبًا إياه من مضجعه رغمًا عنه وهو يردف بحنق: تعالى يا فارس وسيب العيال براحتهم بقى متبقاش عامل زي العزول كدا.
سار معه فارس على مضض وإلتف مُسددًا نظرة مُتوعدة تجاه مدثر الذي ترتشم الشماتة جلية على وجهه.

أغلق مدثر الباب خلفهم مُمتنًا من داخله لوالده الذي أنقذه من خطة فارس التي كان ينتوي تنفيذها، استدار لها وتحولت عيناه للمكر الشديد عندما لمحها، ثم أردف وهو يغني: الجو ضالمة خالص. والدنيا هُس هُس. وأنا. وأنت. يا حبيبي. يا حبيبي.

بعد مرور شهر كامل، أمسك مدثر بيد لوجي قائلًا وهو يُشاكسها: براحة عشان حبيب بابا ميحصلوش حاجة.
قالها وهو يضع يده على معدتها التي لم تظهر بعد، لتضحك هي بخفة ثم عاتبته قائلة: يلا يا مدثر بسرعة بقى البنات هيزعلوا مني لو مروحتش بدري.
يا حبيبتي هما هتلاقيهم مشغولين دلوقتي وأنتِ عارفة، وبعدين الدكتورة محذراكِ من الحركة الكتير في الشهور الأولى عشان كدا موافقتش تروحي معاهم من الصبح.

حدجته بحب ثم أردفت بإمتنان: ربنا يديمك ليا يا حبيبي وميحرمنيش منك أبدًا يارب.
أمسك بكفها يُقبله متحدثًا بعشقك: ويباركلي فيكِ أنتِ وابننا اللي جاي يا روح قلبي.
وصلا أخيرًا إلى القاعة المُقام فيها الزفاف بعد أن استقل معه السيارة أبويه وحمويه أيضًا،.

دلفوا للداخل وجلسوا على المقاعد وسط المعازيم الكثيرة التي جاءت لتقديم التهاني والمباركات للعروسين، وما هي إلا دقائق معدودة واستمعوا إلى صوت أبواق السيارات تتعالى بالخارج، فعلموا بأن الجميع قد أتى الآن، خرجت العائلة بأكلمها، بينما جلس مدثر بجانب لوجي حتى لا يتركها وحدها، وكم كانت تلك الفعلة قريبة لقلبها حقًا.

وبعد وقت ليس بالقليل دلف الشباب وبأيديهم العرائس المُتزينين على أكمل وجه، دلف أولًا سليم وبيده جميلة، وبعده دلف إسحاق ومعه حور، تلاه رياض المُمسك بيد رهف، وبعدهم دلف سليمان وميادة، ثم أتبعه عدي ومعه منار، وأخيرًا دلف مصطفي ومعه زينب.

دلفوا كصفوف حتى وصلوا إلى منتصف الساحة، أشار إسحاق ل مدثر بحماس لوجوده، فرد له مدثر الإشارة سعيدًا بأصدقائه، أمسك كُلًا منهم بيد عروسه واستداروا كدائرة، وبالطبع تم اختيار قاعة كبيرة للغاية حتى تكفيهم، وبدأت ألحان الأغنية الرومانسية تصدح بالأرجاء وكُلًا منهم يُوجهها لشريكته.
فبدأ سليم أولًا بالغناء وهو يُردد بحب: عليكِ عيون. لا بتنافق ولا بتخون. وفيها من الأمان مخزون. وفيها من الجمال أسرار.

أكمل بعده إسحاق الذي نظر لعيني حور مُباشرة: عليكِ كلام. يمشي الحزن وأبقى تمام. يطمن قلبي يرجع خام. أكون أنا وأنتِ كالأطفال.
تلاه عدي الذي أحاط بخصر منار مُشددًا من إحتضانها: عليكِ سلام. يقويني على الأيام. فيه طاقة تزقني لقدام. وبيها بكمل المشوار.
وبعده تمتم رياض مُبتسمًا بحب: عليكِ هدوء. حلاوة صوت ونظرة شوق. أكون زعلان أشوفك أروق. وأحس براحة واستقرار.

تحرك سليمان بخفة على الإيقاع ثم أردف بغناء مع الأغنية التي تعكس مشاعره: عليكِ جمال. وقلبك صافي وابن حلال. معاكِ بعيش في راحة بال. ومن غيرك بكون محتار.
جاء دور مصطفي الذي كان يكن الإعجاب ل زينب لفترة كبيرة ثم تمتم أثناء نظره لمحياها: وجودك خير. بضحكة يومي جميل. بتسند ضهري وقت ما أميل. أنا فعلًا عرفت أختار.

ومع الإيقاع الذي يليه، أدار الشباب الفتيات حول أنفسهم مُكملين الغناء بصوت عالٍ نسبيًا: عليكِ سلام. يقويني على الأيام. فيه طاقة تزقني لقدام. وبيها بكمل المشوار.

وبعدها حمل كل واحدٍ منهم عروسه من خصرها للأعلى، ثم داروا بهم في مشهد مُهيب للأعين، قابض للأنفس، وكأنهم أميرات قد خرجن للتو من ديزني بمظهرهم الخلاب هذا، وهُم الأمراء الذين أكملوا الغناء بكل ذرة حُب تكمن في دواخلهم: عليكِ هدوء. حلاوة صوت ونظرة شوف. أكون تعبان أشوفك أروق. وأحس براحة واستقرار.
استمعوا إلى تصفيق حار من الجميع والشباب الذين أطلقوا صافرات تعبر عن مدى إعجابهم بذلك الزفاف الرائع.

بعد مرور تسعة أشهر.
انتفض مدثر فزعًا من صراخ لوجي الذي هز الأرجاء، جلس جانبها متسائلًا بخوف وبلاهة بذاتِ الوقت: مالِك يا لوجي؟
جذبته من ياقة قميصه وهي تُجيبه بعنف يشوبه الصراخ: مالي في جيبي يا روح لوجي، ااااه الحقني يا مدثر بولد.
صاح مدثر بسعادة مُهللًا: بجد! ألف مبروك يا حبيبتي. الحمد لله يا رب. الحمد لله.
صرخت به بنفاذ صبر أثناء إمساكها لبطنها بألم: هموت يابن المُتخلفة إلحقني.

حملها مدثر بفزع ثم انطلق بها إلى المشفى بعد أم اخبر العائلة التي هرولت خلفه إلى المشفى، ظلت نصف ساعة بداخل غرفة العمليات وقلبه يتآكل بخوف عليها، ابتلع ريقه بقلق فشعر بيد توضع على ذراعه كان صاحبها فارس الذي طمأنه بحنان: متقلقش عليها هتكون كويسة.
رفع مدثر رأسه للأعلى مُترجيًا: يارب. يارب.

انتظروا دقائق أخرى حتى خرج لهم الطبيب يخبرهم بإبتسامة عملية: ألف مبروك. المدام والولد بخير الحمد لله، ودلوقتي هيتنقلوا هما الاتنين لأوضة عادية.
احتضن مدثر أباه صائحًا بسعادة شديدة: بقيت أب يا بابا. بقيت أب.
أدمعت عين ريان بحماسة قائلًا: وهتكون أحسن أب في الدنيا كلها، ألف مبروك يا حبيبي.

بعد دقائق، دلف الجميع للغرفة فوجدوا لوجي مُستندة على ظهرها وبيدها الصغير النائم بملائكية، جلس مدثر بجانبها مُقبلًا جبينها بحب بعد أن همس لها بحب: حمدالله بالسلامة يا حبيبة قلبي.
أجابته بإنهاك طفيف: الله يسلمك يا حبيبي.
رأى الجميع الصغير ورحبوا بفردًا جديدًا ينتمي لعائلتهم الجميلة، فتحدث إسحاق بمزاح لصديقه: أكيد هتسمي ابنك على إسمي عشان يطلع شبهي صح؟

نظر له مدثر باشمئزاز قائلًا: إيه القرف دا! لأ طبعًا؟
تسائلت زهر بابتسامة طفيفة له: أومال هتسميه إيه يا مدثر؟
حمل مدثر الصغير من بين يدي زوجته بحذر، ثم اتجه به ناحية والده الذي يستمع للحديث بانتباه حتى وقف أمامه بصغيره، وبعدها تحدث بحب شديد: هسميه ريان. وهيبقى ريان مدثر ريان الطحاوي.

ورغم فرحة ريان العارمة، إلا أن غزل اعترض قائلًا: لأ سميه إسم تاني يا مدثر أنا محبش حد يشاركني في إسم جوزي، وبعدين اشمعنا ريان يعني؟

أجابه مدثر وأنظاره مُثبته على والده: عشان بابا يستاهل كل حاجة حلوة في الدنيا، وإن إسم إبني يكون على إسمه دي أقل حاجة ممكن أقدمها ليه، هو ضحى عشاني كتير، حرم نفسه من حاجات كتير أوي علشاني، أنا لو أطول أجيبله نجمة من السما وأقدمهاله هعملها، عشان الدنيا في كفة وبابا لوحده في كفة تانية، ورغم كدا كفته هي اللي هتفوز.

هبطت دموع ريان تأثرًا، فأحاط به مدثر وبيده الصغير قائلًا: بحبك يا بابا. ولو إن الحب كلمة قليلة على اللي أنا حاسس بيه.
أجابه ريان بصوت مُتحشرج: وأبوك فخور بيك لآخر نفس في عمره.
انقبض قلب مدثر من تلك الفكرة قائلًا بجزع: بعد الشر عليك يا حبيبي متقولش كدا عشان خاطري.

أومأ له ريان بنعم وهو يبتسم، ثم هبط على جبين الصغير يُقبله بلطف وحنان شديد، ابتعد قليلًا عنه ثم أحاط بكتف غزل قائلًا بإبتسامة مُتسعة: عندي ليكوا أنا وغزالتي مفاجأة.
مسحت غزل دموعها التي هبطت تأثرًا بحديث الأب وابنه وبعدها ابتسمت بإستحياء، ليتسائل معتصم بتعجب: مفاجأة إيه دي يا ريان؟
نظر ريان ل غزل متسائلًا: هتقولي أنتِ؟

أومأت له غزل بالإيجاب، ناظرة لأوجه الجميع التي تُطالعها بانتباه، ثم همست بخجل: أنا حامل.
تمت

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
يتحوّل ، يجرح.. ، يوميات ، السيطرة ،










الساعة الآن 01:04 AM